مقالات

رحلة عبر قسوة الحياة بين اليأس والأمل

 

 

كتب .عمرو البهي 

 

في حياتنا، ورغم الاختلافات في الروابط والثقافة واللغة والأفكار والرغبات والطموحات والحياة والمصير، إلا أن هناك دائماً كلمات رئيسية وأهداف حياتية أساسية تربط بين اختلافاتنا في السعادة والسلام والنجاح .

الحياة دائمًا ما تكون درسا قاسيًا لنا جميعًا، فهي كالمعلم القاسي الذي يخشاه جميع تلاميذه. كيف لنا أن نواجه مواقف الحياة وتجاربها الصعبة، ونهدر عواطفنا وتوقعاتنا على من لا يستحق، ولا نُكافأ في كل مرة نحاول فيها إرضاء الجميع، ولا نغير من طباعنا وأنفسنا بعد كل هذا؟ ما الذي يمكن أن يكون أسهل من أن نغضب ونشعر بالمرارة والكراهية، ونقسو علي عقولنا وأجسادنا؟

يمكنك أن تمشي آلاف الكيلومترات، وتبذل عشرات الكيلومترات من الجهد، ولكن في كل مرة تحاول الوصول، تفاجئك الحياة بخيبات أمل جديدة، تجعلك تتوقف محني الرأس، متعبًا متصلبًا، لا طاقة لك على المزيد. تختلف ردود أفعالنا على خيبات الأمل هذه قد نصبح عصبيين، أو مرضى جسديًا أو عقليًا، أو نبكي، أحيانًا في صمت، وأحيانًا بضحكة كاذبة، أو قد نصبح مهرجين، أو قد نستسلم تمامًا ونموت.

هل حاولت يوماً أن تتوقف عن هذا القلق والغضب والتفكير الزائد، أن تحول كل شيء سلبي إلى شيء إيجابي وجميل، أن تؤمن بلطف القدر، أن تؤمن بأن الغد جميل، أن لا تفقد تربيتك وقيمتك الإنسانية، أن لا تصبح فارغ العقل؟

 

التقيت على مر السنين بالعديد من الشباب الضائع في الشوارع، وفوجئت أنهم متعلمون جيدًا، وبعضهم يتحدث أكثر من لغة، وبعضهم لديه معلومات ثقافية وسياسية ودينية أكثر من الأشخاص العاديين الذين نلتقيهم في حياتنا اليومية في مجموعات الدراسة ومجموعات العمل والأصدقاء المقربين والعائلة والمنازل لا يسعني إلا أن أتساءل ما الذي واجهه هذا الشخص، وما الذي تعرض له من قهر واضطهاد حتى يصل إلى هذه المرحلة القاسية من الحياة، دون أدنى حقوقه الإنسانية الكريمة من تعليم وصحة وعمل وأمان، ودون سكن. لا بد أنه القدر بالتأكيد. ومن المعروف أن القدر هو القدر الحازم والقاسي علينا في صورة دروس وخيبات أمل.

فما الذي يمكن أن يوصل الإنسان إلى هذه المرحلة من الضياع رغم أنه كنز ثمين يعتز به الخالق؟ لماذا تخفي الحياة جمالها من خلال المشقة والضغط والفقر والحرب؟ نحن ندرك هذا وننحني لهذا المعلم الذي يكون أحياناً كلامه قاسياً ليجعلنا ندرك الصواب، وهو المصباح الذي ينير لنا الظلمة ليرشدنا إلي الطريق الصحيح.

وسواء أصبحنا مشردين أو عاديين فإن الأمر في أيدينا. لا أعرف ما هو هذا الشيء، لكنني لطالما كنت مقتنعًا بأن هناك شيئًا جميلًا مخفيًا وراء كل هذا وأن كل شيء يحدث لسبب ما ؟ وبمرور الوقت، وجدت أنه في كل مرة نمر فيها بتجربة صعبة ونتعرض لضغوط شديدة، يكون ذلك دواءً شافيًا لأرواحنا أن نكون على وعي بأنفسنا، وأن نؤمن بقدرتنا على التحمل، وأن نؤمن بأننا سنتغير وإلى أين سنذهب إذا تغيرنا. كل واحد منا هادئ ومصمّم سيصل وينجو. وهل هناك ما هو أصعب من آفة الغوص في العدم، من الضياع والتشكيك في مصيرنا، من القسوة، من خيانة أنفسنا، من الغفلة عن الحب، من الغفلة عن الحياة، من قسوة القلب.

إذا أصبحنا وحوشًا تلتهم كل مكان، ستعاقبنا الأرض وسيظهر غضبها في شكل مرض وفقر ومجاعة وحرب. سنصبح أكثر تجردًا من الإنسانية، وستغري بنا الشهوات والحياة، ونفقد تذكرة الاستقرار والأمن، ويفوتنا قطار الحب والسلام والسعادة. هل حاولت يومًا أن تتوقف عن القلق أو الغضب أو الإفراط في التفكير وتحويل كل ما هو سلبي إلى شيء إيجابي وجميل؟ هل جربت يومًا أن تؤمن بلطف القدر، أن تؤمن بأن الغد جميل، ألا تفقد أساسيات تربيتك وقيمك الإنسانية، ألا تصبح فارغًا؟ هل جربت يومًا أن تستيقظ مبكرًا على غير عادتك، أن تبتهج بألوان الخضروات في الأشجار، أن تركض في الغابة، أن تتأمل جمال الطبيعة وصفاءها، أن تستمتع بأصوات الطيور كزقزقة العصافير وهديل الحمام، أن تتسابق إلى الصلاة والدعاء، أن تجتهد في طريقك؟

هل حاولت يوماً أن تترك أثراً في حياة أحدهم، هل حاولت أن تتعلم العطف واللطف، هل حاولت أن تبتسم في ذكراك، هل حاولت أن تكف عن مخالطة الضعفاء والقساة، هل حاولت أن لا تضيع الوقت مع الكذابين والخونة؟ هل جربت يوماً أن تبتعد عن الأشياء التي تضيق أفقك، الأشياء التي تضيق حبك للحياة، هل جربت يوماً أن تزرع نبات النعناع، هل جربت يوماً أن تعترف بحبك للحياة؟ هل جربت يوماً أن تضع يدك على صدرك، أن تؤمن برب هذا الكون وبنفسك، أن تؤمن بأنك تستحق قبلة على جبينك؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى