مقالات

السيسي .. حكومة إقتصادية ..التعليم .. البحث العلمي ” كلمة سر المرحلة القادمة”

كتب: خالد عبدالحميد مصطفي

لا شك أن المرحلة القادمة تحتاج إلي قيادة سياسية قوية تواجه التحديات الدولية وتتعامل مع سياسة صُنّٓاع القرار في العالم وأيضاً إلي حكومة إقتصادية جديدة تضع علي عاتقها مهمة تحليل هذه التحديات الإقتصادية, وتبحث عن طرق تساعد بها الدولة والشعب على فهم ما يحدث وتضع حلول سريعة للخروج من هذه الأزمات خروجاً أمناً، وتتفادى المشكلات المستقبلية التي قد تنشأ نتيجة هذه الازمات الإقتصادية المستمرة .
ولابد من سرعة تدشين رؤية علي أرض الواقع للخروج من هذه الأزمات والانطلاق بالإقتصاد إسوة بالدول التي سبقتنا في هذا الملف، ولابد أن يدرس المتخصصون كيفية الاستفادة من التجارب التنموية المشابهة للأزمة المصرية، مثل الصين والهند وفيتنام وسنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية والبرازيل وتشيلي وجنوب إفريقيا، كل هذه الدول كانت نفس الحالة الاقتصادية المصرية، وإستطاعت هذه الدول تحقيق قفزة تنموية كبيرة بعد إسناد الملف الإقتصادي للمتخصصين، فعندما بدأت هذه الدول تضع إحدى قدميها علي طريق التنمية كانت تعاني من تأخر مستويات التنمية، خصوصاً في مجال التعليم وإرتفاع معدلات الفقر وإنخفاض قيمة عملتها الوطنية أمام الدولار الأمريكي وإرتفاع نسب التضخم ومستويات الدّٓين العام الخارجي والداخلي وضعف معدلات النمو، بالإضافة إلي النقص الحاد في الطاقة، والتفاوت الشديد بين طبقات المجتمع، وكانت تعاني هذه الدول من حالة عدم الإستقرار السياسي وإضطراب في أوضاعها الداخلية ومحيطها الإقليمي. بعد ما ذكرنا معاناة هذه الدول قبل تحقيق القفزه الاقتصادية، ماذا فعلت هذه الدول كي تصبح نموذجاً يُحتذى به للعديد من الدول المتطلعة للنهوض والتنمية؟ وما هي المجالات التنموية التي ركزت عليها وإنطلقت منها وبها؟؟ وكيف واجهت المشاكل التي إعترضتها؟؟؟ كي تكون دليل في مرحلة النهوض بالإقتصاد، وإنطلاق نحو النهضة والتقدم.
أولاً: التعليم ومحاربة الأمية ؛
كان السر وراء نهوض هذه الدول وإحداث قفزة إقتصادية كبيرة هو التعليم، كمدخل أساسي لعملية التنمية، لأنه لا يحدث تقدم ونهوض بدون شعب واعي ومتعلم ومدرك ، فقد وضعت هذه الدول إستراتيجية للتعليم قامت علي ثلاث أُسس وهي؛
محو أُمية الكبار، والتركيز علي التعليم التقني والفني، وزيادة الموازنة الخاصة للتعليم من إجمالي الموازنة العامة للدولة، بإعتبار التعليم مشروع قومي ومدخل رئيسي للتنمية الشاملة، والعمل علي إكساب المهارات وتعزيز القدرات الأساسية لبناء إنساني واعي ومُبدع ومنتج، كما إهتمت هذه الدول بالمُعلم ودوره الكبير في السياسة التعليمية وبناء جيل راقي وواعي، وتطوير مواد التعليم لتواكب عملية التنمية الإقتصادية إلي جانب بث روح الطموح للمعرفة والتعلم
وكان للتعليم الأثر الأكبر في صُنع أيدي عاملة وطنية تنشد إتقان العمل والإجتهاد والمثابرة في خدمة الوطن والنهوض به . كما أظهرت بعض هذه الدول إهتماماً كبيراً بالبحث العلمي والتكنولوجي وتم ربطه بعملية التصنيع، وأنشأت بعض هذه الدول كــ كوريا مثلاً معاهد لحملات محو الأمية وزيادة عدد مدارس التعليم الأساسي الشعبي في الورش والمصانع والمناطق السكنية حتي إذدهرت المدارس المتوسطة للعاملين، وكان هدف هذه المرحلة هو عقلنة المجتمع بالكامل وذلك برفع المستوى الثقافي والفني للعاملين إلي مستوى خريجي الجامعات، فتم إنشاء كليات ملحقة بالمصانع، أدى ذلك إلي توفير فرصة إلتحاق العاملين بالدراسة دون الحاجة إلي الإنقطاع عن الأنشطة الإنتاجية، كما أنشأت كليات المزارعين والصيادين والتعليم الجامعي المسائي.
ومن أسرار نجاح التجربة الماليزية في النهضة والتقدم والازدهار أنها إستفادت من التجربة اليابانية في التعليم والإعتماد علي العنصر البشري المُدرّٓب الواعي المتعلم، وجعلت وزارة التعليم في الدرجة الأولي أمام الوزارات الاخرى كوزارة الدفاع والخارجية والداخلية،وأسهم رفع الإنفاق علي التعليم من الموازنة العامة في بناء مدارس جديدة خاصةً المدارس الفنية، وإنشاء مراكز ضخمة للكمبيوتر والعلوم، والإهتمام بالبعثات التعليمية لكل دول العالم، وتحسين العلاقات بدول الجوار لتعزيز التعاون في نقل العلوم والتكنولوجيا، وتوفير مُناخ نقي للتبادل الطلابي بين الدول.
أدت هذه الخطوات إلي نجاح كبير في خفض نسبة الأمية من خلال حملات محو الأمية والتعليم المهني الذي إنتعش بصورة مذهلة إستجابة لخطة النمو الهائل الذي شهدته القطاعات الصناعية لإخراج عمالة ذات كفاءة عالية، تعمل وفق منهجية علمية وليس بشكل عشوائي، فمن بداية المرحلة الثانوية تصبح العملية التعليمية شاملة، فبجانب العلوم والآداب تُدرس مواد خاصة بالمجالات المهنية والفنية والتي تتيح للطلاب فرصة تنمية وصقل مهاراتهم.كما تؤهلهم لدخول سوق العمل في مجال الهندسة الميكانيكية.
كما إحتذت سنغافورة نفس النهج ووضعت منذ بداية سبعينيات القرن الماضي خطة قومية للتعليم المدرسي الذي يُعد من الأوائل علي مستوى العالم من حيث قدرات العلوم والرياضيات، ويكمن سر نجاح دولة سنغافورة في إحداث تغيير كبير في نهضتها وفي بناء القدرات والمهارات من خلال نظام التعليم في كل مرحلة من مراحل التنمية الإقتصادية التي تمر بها الدولة، فنجحت في إدخال نظام تعليم مبني علي القدرات ويرتكز علي الإبداع والبنية المؤسسية الإبتكارية في جميع المراحل التعليمية، وذلك بهدف تطبيق رؤية التعليم الجديدة
( مدارس تفكر…مجتمع يتعلم) فركز التعليم علي تخريج عمالة منتجة، الأمر الذي جعل المقررات تميل إلي العلوم والتخصصات الفنية بدل التخصصات الأخرى الأقل أهمية في هذه المرحلة التنموية، والأهم أن هذا النظام قام علي أساس الأهلية والإستحقاق، فبعد ست سنوات من التعليم الإبتدائي يتقدم الطلبة لإختبارات تحدد قدراتهم ومدى إستعداداتهم، ومن ثم يتم إرسالهم إلي مدارس ثانوية تتناسب مع قدراتهم الذهنية، وبعد انتهاء مرحلة الثانوية يتم وضع إختبارات أيضاً تحدد من سيذهب للجامعة ومن هو أقل مستوى فيذهب إلي كليات التقنية للتدرب علي مهارات لسوق العمل، ولما قررت سنغافورة أن تكون إحدى الدول المتقدمة في البحث العلمي ركزت علي ثلاث مجالات رئيسية بالإضافة إلي مجال البحث والتطوير العسكري، وشملت هذه المجالات العلمية الثلاثة، علوم الحياة ( البيوتكنولوجيا) ومجال ( التكنولوجيا النظيفة ) ومجال (التكنولوجيا الرقمية) ثم أعدت دراسات تفصيلية لهذه المجالات، وأنشأت مراكز للبحوث والمدن العلمية الكبيرة التي تضم ألاف الباحثين الحاصلين علي درجة الدكتوراه وذلك للتركيز علي علوم الحياة.
فلابد أن تضم المرحلة القادمة حكومة إقتصادية مهتمة بوضع رؤية تضع التعليم في المقام الأول وتدرس هذه التجارب وتستفيد منها وتطبقها في التعليم والبحث العلمي وفي مكافحة الأمية، وتعمل علي توفير آليات المعرفة للمجتمع، وتثق بأن نجاح خطة أي حكومة للنهوض مرتبط ومرهون بوعي الشعب وتأهله ودرجة إستعداده لخطة النهوض، فلو نظرنا اليوم سنجد خطة تنمية واسعة وغير مسبوقة في مجال البنية التحتية والزحف العمراني وفي مجالات الطاقة والتسليح ولكن لم ولن يظهر ذلك طالما ليس هناك وعي مُسبق للشعب، ولابد أن تضع خطة الحكومة أولوية قصوى للتصنيع المحلي كضرورة حتمية لتحقيق معدلات عالية وسريعة في النمو، والتركيز على الإقتصاد المعرفي والقيمة المضافة وذلك بالربط بين التعليم والبحث العلمي ومجالات الصناعة، والتركيز أيضاً علي الخدمات المالية، بالتوازي مع وضع سياسات تجارية مدروسة خلال هذه المراحل تلعب دوراً كبيراً في عملية البناء الإقتصادي، فلابد أن يكون هناك حكومة تعطي أولوية لتطوير الصناعات التحويلية في إطار سياسة التوسع في التصدير، فلا يصح أن نضع الذيادة السكانية شماعة تعرقل الحكومة في عملية التنمية والنهوض، وأكبر دليل علي ذلك الصين كم عدد سكانها وكيف كانت وأصبحت بفضل إنتهاج خطط بنّٓاءة، ودولة سنغافورة هذا البلد القزم جغرافياً والكثيف سكانياً أكثر من 5مليون نسمة على مساحة أقل من مدينة بورسعيد، لكنها دولة وضعت آلية التقدم والنهوض بفضل النظام التربوي الجيد الذي وضعته والتعليم والبحث العلمي حتي صارت من الدول المنافسة والمتقدمة .
وليس ماليزيا وسنغافورة فقط من أعطوا أولوية لتطوير الصناعات بل هناك دول كثيرة مثل كوريا الجنوبية والبرازيل وجنوب إفريقيا والهند نهجوا نفس النهج ووضعوا سياسات توسع في الصناعات والتصدير مما عكس ذلك بالإيجاب علي الصادرات وأسهم ذلك في نقلهم من أفقر دول العالم إلي أكثر قواها الصناعية الواعدة، بفضل تركيزهم علي التعليم والتصنيع والتركيز علي مجال تكنولوجيا المعلومات ليُصبحوا من الدول الرائدة في هذه المجالات، فنحن لا نقل عقلية عن هذه الدول ولدينا مواردنا الطبيعية الكبيرة، ولكن ينقصنا وضع رؤية وقوة عمل ماهرة من متخصصين،والعمل علي توسيع إتفاقيات التجارة العالمية مع الدول المجاورة ومع دول العالم بما يناسب ويتناسب مع النمو الإقتصادي، والتوسعة في إتفاقيات من شأنها تحقيق الأمن والإستقرار والتوسع في سرعة الإنضمام إلي المنظمات الإقليمية كمنظمة الأسيان والبريكس ومجموعة المحيط الهادي وغيرها من المنظمات التي من شأنها تشكيل تكتلات إقتصادية تخدم مصالحها المشتركة، ولابد أن نثق في أن السعي في تحقيق ذلك وفي مكافحة الفساد عاملاً حاسماً في جذب الإستثمارات الأجنبية وفي بناء الثقة وخلق بيئة مواتية للخروج من هذه الأزمات وتحقيق النمو والتنمية الشاملة، مصر قطعت شوطاً كبيراً في البنية التحتية والزحف العمراني وشبكات الطرق التي تربط الأقاليم الداخلية ببعضها، لكنها في أمٓس الحاجة للإستفادة من هذه التجارب في ضوء إحتياجاتنا والظروف السياسية والإقتصادية المحيطة بنا داخلياً وإقليمياً وعالمياً.
فمصر علي أبواب إنتخابات رئاسية تجدد الثقة للرئيسي الحالي أو ستأتي برئيس جديد للبلاد، وفي كلتا الحالتين لابد من وضع برنامج وطني للإصلاح الإقتصادي والمالي لعلاج هذه الأزمات بعيداً عن الإقتراض من صندوق النقد الدولي والذي يفرض شروطاً قاسية أدت إلي تعميق الأزمة الإقتصادية وعكست الوجه الحقيقي لهذه الكيانات الهدّٓامة للشعوب، فلابد من تبنِّي برنامجاً متكاملاً للإصلاح الإقتصادي يتناسب مع الظروف التي نمر بها، ولن يتم ذلك إلا في ظل وجود قيادة سياسية قوية وحكومة دولة واعية ومسؤولة تضع رؤية للتقدم وتصر علي تطبيقها تحت أي ظروف بالإشتراك مع القطاع المدني والخاص كشركاء في التنمية، وتبني مبادرات المزج بين تخطيط الدولة المركزي وإقتصاد السوق كطريق للتنمية، مع تواجد الحكومة بشكل مباشر ومكثف في إقتصاد السوق في المراحل الأولى من عملية التنمية وعدم الإعتماد علي آليات السوق وحدها.
فلابد من إسناد المهمة لحكومة إقتصادية بحتة تبحث عن مخرج للأزمة الاقتصادية بعيداً عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرها من الكيانات التي نعلم جيداً من يُديرها ويمونها وما هدفها.
فلابد من تبني برنامج إصلاحي يهدف إلي ” التحرير الإقتصادي والخصخصة” و ” تثبيت معدلات التضخم” و ” الإرتقاء بالقدرة التنافسية ” وهذا يتم بأربع مجالات ( البنية التحتية) والحمد لله وبفضل القيادة السياسية والحكومة الحالية تم تأسيس بنية تحتية تؤهل لأي برنامج إقتصادي . ( رأس مال البشري) وهذا العنصر متوافر وبقوة، ( وتنمية الإنتاجية )و (تعزيز المؤسسات الإقتصادية ومحاربة الفساد ) والعمل علي إنشاء قطاعات صناعية حديثة بديلة عن الصناعات التقليدية. فمصر ورثت بعد ثورة يناير وضعاً مالياً مختلاً، تمثل في ضعف معدل النمو ودين عام محلي تخطي 1.3تريليون جنيه وهذا يمثل أكثر من 75% من الناتج المحلي آنذاك، فضلاً عن معدل البطالة الذي ناهز نسبة الــ 15% ومعدل الفقر الذي كان يشمل أكثر من 42% من السكان . وهذا يتطلب تفعيل البرنامج الرئاسي بخصوص سياسة تقليص عجز الموازنة وخفض معدلات البطالة والحد من التضخم والخروج من الحلقة المغلقة لهذه الدوامات الموروثة .
يُذكر أن حكومة مدبولي أدت اليمين الدستورية في 14يونيو 2018 . وبحكم السيرة الذاتية للدكتور مصطفي مدبولي كمتخصص في الهندسة المعمارية وتخطيط المدن فهو كان من أكفأ وأفضل من يُشكل وزارة ويتسلم ملف البنية التحتية والتخطيط العمراني وذلك لحصوله على درجة دكتوراه في الهندسة المعمارية – تخصص تخطيط مدن من كلية الهندسة جامعة القاهرة عام 1997 بنظام الإشراف المشترك مع معهد التخطيط القومي والإقليمي والعمراني بكلية العمارة جامعة
كارلسروه بألمانيا .وحصوله على دبلوم الدراسات المتقدمة في مجال التخطيط العمراني – إدارة العمران من معهد دراسات الإسكان والتنمية الحضرية – روتردام – هولندا –1993. وحصوله على درجة ماجستير الفلسفة في الهندسة المعمارية – تخصص تخطيط مدن من كلية الهندسة – جامعة القاهرة – 1992وحصوله على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية – كلية الهندسة – جامعة القاهرة بتقدير عام جيد جدًا وتقدير امتياز لمشروع التخرج – يوليو 1988 . سيرة ذاتية مُشرفة لرئيس وزراء يُسجل التاريخ أعماله في التخطيط العمراني والمدن الجديدة وشبكة الطرق العملاقة، وتعامله مع كثير من الملفات الصعبة التي واجهته في المرحلة الصعبة التي ضربت إقتصاد العالم .
لكن الآن نحن بحاجة إلي كادر إقتصادي بحت يبدأ من حيث إنتهت الحكومة الحالية . ونتمني أن يستكمل السيسي مسيرته برؤية إقتصادية جديدة بدماء جديدة تضع التعليم في أولوياتها وتتبنى إحياء علوم أجدادنا التي هي بمثابة سفينة نجاة ليست لمصر فقط بل للبشرية كلها. فهي علوم تحرر البشرية من قبضة وقيود صُنّاع القرار في العالم . ( علوم الأهرام)
🇪🇬حفظ الله مِصرنا الغالية 🇪🇬

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى