الطب النبوي والنباتات العطرية تساهم في شفاء بعض الأمراض المستعصية
قنا. ياسر الهواري
.أكد لنا الباحثان الاستاذ الدكتور محمود عبدالله الشرقاوي وهو من الكفائات النادرة في مجال الصيدله والاستاذ الدكتور هاني خوجة الباحث والاكاديمي
والذي أكد انه
توجد مركبات طبيعية من نبات عربي لها فاعلية انتقائية على الخلايا السرطانية
تم اكتشاف مركبات طبيعية من نبات عربي يظهر فاعلية انتقائية على الخلايا السرطانية، ويعد هذا الاكتشاف بارزًا في مجال البحث الطبي، حيث يفتح أفقًا جديدًا للتطورات في علاجات السرطان
تمكن باحثان من أعضاء هيئة التدريس في كلية الصيدلة بجامعة طيبة، الدكتور محمود عبد الله حافظ مصطفى قسم العقاقير والكيمياء الصيدلية والأستاذ المشارك بكلية الصيدلة جامعة الازهر-فرع أسيوط والأستاذ المشارك الدكتور هاني محمود خوجة قسم الممارسة الصيدلية بكلية الصيدلة جامعة طيبة، بالتعاون مع الأستاذ الدكتور توميهيسا أوتا من اليابان، من اكتشاف وفصل مركبين جديدين من ورق شجر السدر، وقد أُطلقت عليهما أسماء “سِدرين” و”سِدروسايد”، استمدت من اللغة العربية. أظهرت التجارب الأولية في اليابان وبالتعاون مع المعهد الوطني للأورام في الولايات المتحدة الأمريكية فعالية انتقائية لهذين المركبين ضد عدة أنواع من خلايا السرطان البشرية المعزولة مخبريًا، مع عدم التأثير على خلايا نخاع العظم السليمة. يُشير الباحثون إلى ضرورة إجراء دراسات إضافية على الحيوانات لضمان سلامة المركبين وفهم آليات عملهما الدقيقة قبل التحقق من فعاليتهما على البشر في سياق التجارب السريرية للتعامل مع حالات الأورام السرطانية.
واوضح الدكتور محمود مصطفى أهمية شجرة السدر على مدى العصور من الناحيتين التاريخية والدينية والطبية، حيث استُخدمت فاكهتها وعسلها كغذاء وأجزاؤها لعلاج العديد من الأمراض. يُذكر السدر في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، مما يبرز تكريمها في الإسلام. فمن ذلك سدرة المنتهى في قوله تعالى: (عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى. إذ يغشى السدرة ما يغشى) سورة النجم 14-16. وهي من أشجار الجنة كما قال تعالى: (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين. في سدر مخضود. وطلح منضود. وظل ممدود) سورة الواقعة 27-30. كما ورد ذكرها في عديد من الأحاديث النبوية الشريفة. وهذا الشجر معروف منذ القدم وله عدة أسماء مثل الغسل والأردج والزفزوف والعرج. ويطلق على ثمارها النبق والجنا والعَبريوقد وردت فوائد السدر في كتب الطب القديمة، حيث يعتبر موطنها الأصلي بلاد العرب. تعيش الشجرة حوالي 120 عاماً وتثمر مرتين في العام. ذكر ابن سينا في كتاب القانون الطبي عدة فوائد لهذا النبات.
اكد الدكتور محمود إلى أن فعالية هذه الشجرة، واسمها العلمي Ziziphus spina-christi، ترجع إلى احتوائها على العديد من المركبات الفعالة كالفلافونويدات والبيبتيدات والبيبتيدات القاعدية والسابونينات والسكريات والجليكوسيدات والفينولات والتانينات. فمثلا، والتانينات هي من المواد الفعالة المضادة للأكسدة، وحمض الأوليانوليك وهو أحد أنواع التراتبيين له تأثير مضاد للالتهابات بحيث كانت تستخدم أجزاء النبتة في علاج الأوجاع وآلام المفاصل. كما أن الشجرة تحتوي على المغنيسيوم والبوتاسيوم والنحاس والنياسين والكالسيوم، والمنغنيز والفوسفور والحديد. وتحتوي على فيتامين ج أكثر بعشرين مرة من أي فاكهة حمضية، وتعمل على تقوية جهاز المناعة ومكافحة الالتهابات.
أضاف الدكتور محمود أن ثمار السدر (أو النبق) ذات مذاق حلو وتتمتع بارتفاع القيمة الغذائية، معتبرة من الفواكه المتميزة. وتعتبر مفيدة في حالات أمراض الصدر والتنفس، وتتمتع بخصائص مسهلة ومنقية للدم، كما أنها ذات فائدة للنساء الحوامل نظرًا لاحتوائها على عناصر غذائية ضرورية مثل السكريات وغيرها. أشار العلماء التغذويين إلى أن مسحوق ثمار النبق يشبه الحبوب في القيمة الغذائية، وقد أُطلق عليها اسم “الحبوب غير الحقيقية”. في الماضي، كان الناس يقومون بتجفيف ثمار السدر وطحنها في مطاحن خاصة لفصل الطبقة الخارجية الحلوة، ثم استخدموا دقيقها في صنع الخبز وبعض أنواع الحلوى
أوضح الدكتور محمود أن أوراق شجرة السدر تستخدم بشكل متنوع، حيث يمكن استخدامها كقناع للوجه لعلاج حب الشباب، إزالة البثور، تنعيم البشرة، وتفتيحها. يمكن أيضًا استخدام مستخلص الماء من أوراق السدر في تنظيف وتنقية مسامات البشرة. ويُستخدم خلاصة أوراق السدر في تنظيف فروة الرأس وتعقيمها، مع القضاء على الفطريات باستخدام خل التفاح أو عصير الليمون. وتساعد في تحفيز نمو الشعر، زيادة كثافته، وتطويله عن طريق إضافة زيت الزيتون والثوم بانتظام. كما تعزز صحة أصول الشعر، وتمنع التساقط، وتجعل الشعر أكثر نعومة ولمعانًا. ولوحظ أن استخدام محلول أوراق السدر يمكن أن يساعد في تخفيف التشنجات الناتجة عن بعض العقاقير. ويُستخدم مسحوق أوراق السدر المخلوط مع الماء في جبر كسور العظام، وقتل ديدان الأمعاء، وعلاج التهابات اللثة والفم، وطرد البلغم. ويشتهر أيضًا باستخدامها في الاغتسال للرقية وعلاج السحر.
منقوع اللحاء الخارجي لأشجار السدر يستخدم كمسهل لعلاج الإمساك، وكمحفز ومنشط لانقباضات الأمعاء والقولون. ومع ذلك، يُحذر النساء الحوامل من استخدامه كمسهل لأنه قد يحفز انقباضات الرحم. يُحظر أيضًا على مرضى القلب أو الضغط المرتفع، والأشخاص الذين يعانون من القولون العصبي أو قرحة الاثني عشر استخدامه. يُستخدم مغلي اللحاء كمسكن لآلام الأسنان وملطف للحرارة وكمقوٍ عام.
عسل السدر يحمل قيمة كبيرة كغذاء ذو فاعلية علاجية. يُعتبر من أغلى وأفضل أنواع العسل، ويحتوي على قيمة غذائية عالية. يستخدم شعبياً في علاج العديد من الأمراض نظرًا لاحتوائه على مواد ذات فاعلية كبيرة على الجسم والمناعة.
أضاف الدكتور محمود مصطفى أنه نظرًا لكثرة ما كتب عن هذه الشجرة وفوائدها، فقد نشأت الفكرة بالبحث عن مركبات قد تكون لها فائدة في علاج الأورام السرطانية. تم اعتماد منهجية حديثة تقوم على الفصل الموجه حيويًا، حيث يتم تحديد الهدف المرضي أو الحيوي الذي يراد العمل عليه، ثم يتم استخدام مذيبات عضوية مختلفة لاستخلاص المركبات من أوراق السدر. يتم بعد ذلك اختبار تأثير كل مستخلص، وفصل المركبات النشطة. يشير الدكتور إلى أن هذه الطريقة تختصر الوقت وتعتبر أكثر دقة من الطرق التقليدية، رغم تعقيدها ودقتها. تم استخراج مركبين يتميزان بفعالية قوية وانتقائية على الخلايا المسرطنة، وتم تسميتهما “سِدْرِين” و “سِدْرُوسَايْد” استنادًا إلى الاسم العربي لشجرة السدر.
ومن جهته، يشير الدكتور هاني خوجه إلى أن هناك مركبات لا حصر لها ذات تأثير صحي في مختلف النباتات، ويُبرز أهمية العملية البحثية في اكتشاف وفصل هذه المركبات، مُشيرًا إلى أن عمليات البحث تتطلب وقتًا طويلاً وموارد كبيرة. يُشير إلى بحث أُجري على مستخلصات الكمأة، حيث أظهرت فعالية قوية ضد بعض الجراثيم العنيدة، ويتعهد بالمزيد من الأبحاث لفصل المركبات الفعّالة واختبارها. يُحذر من الادعاء بتأثير صحي للمركبات قبل خضوعها لمراحل متتالية من البحث الدقيق. يشرح أنه تم اختبار المركبين على خلايا سرطانية في مختبرات متخصصة، ويشدد على أهمية فحص تأثير المركبات على الخلايا السليمة لضمان عدم تضررها. تم اختبار المركبين على 62 نوعًا من الخلايا السرطانية بالتعاون مع جامعة كانازاوا في اليابان والمعهد الوطني للأورام في الولايات المتحدة
ومن بين المفاجآت التي كشف عنها الدكتور محمود، أن الباحثين قاموا أيضاً بفصل مركبين نادرين آخرين من نفس النبتة يعتبر من الصعب تصنيعهما معملياً. تم اختبار هذين المركبين عن طريق المحاكاة أو النمذجة الحاسوبية على فيروس كوفيد-19، مُظهرين نتائج مبشرة تؤهلهما للاختبارات الحقيقية. ومع ذلك، يتطلب الأمر دعمًا وتمويلًا يسعى الباحثان للحصول عليه بإذن الله.
ومن ناحيته، يقول الدكتور هاني خوجه: توجد في مختلف النباتات مركبات لا حصر لها وذات تأثير صحي. وعملية اكتشاف هذه المركبات وفصلها تمر بمراحل عديدة وتستغرق وقتا طويلا وتحتاج إلى إمكانيات كبيرة. فمثلا، قمنا مؤخرا ببحث مبدئي على تأثير عدد من مستخلصات الكمأة (أو ما يسمى محليا بالفقع) على عدد من الجراثيم العنيدة، حيث ظهر فعلا تأثير قوي على بعض منها. وقد تم نشر هذا البحث ولله الحمد، وسنسعى بإذن الله لاحقا إلى فصل المركبات الفعالة واختبارها. ولكن قبل الادعاء بأن للمركبات الطبيعية، أو حتى المصنعة، تأثيرا صحيا نافعا للبشر فإنها يجب أن تخضع لمراحل متتالية من البحث الدقيق. فبالنسبة للمركبات التي يعتقد أن لها فاعلية ضد الأورام السرطانية، فيتم أولاً تجربتها في مختبرات خاصة يتوفر فيها ما يسمى بخطوط الخلايا السرطانية، وهي خلايا معزولة ومصابة بأنواع عديدة من السرطانات، بحيث يتم تعريضها لجرعات مختلفة من كل مركب، ثم يتم تحديد أنواع الخلايا السرطانية المتأثرة وكذلك التركيز الأكثر فاعلية لكل مركب. وفي نفس الوقت يتم تجربة المركبات على خلايا سليمة للتأكد من عدم تضررها بهذه المواد. وهذا هو الجزء الذي أنجزناه بفضل الله. فقد تم اختبار المركبين المكتشفين على 62 نوعا من الخلايا السرطانية بالتعاون مع الأستاذ الدكتور توميهيسا أوتا من جامعة كانازاوا باليابان ومع المعهد الوطني للأورام بالولايات المتحدة الأمريكية.
وأكد الدكتور هاني أنه قد ثبتت فعالية مركب “سِدرين sidrin” ضد نوع من كلٍ من خلايا سرطان القولون (KM12) والجهاز العصبي المركزي (SF-295)، وضد نوعين من كلٍ من خلايا سرطان الدم (HL-60 و RPMI-8226) والرئة (A549 وEKVX) والثدي (BT-549 و MDA-MB-231/ATCC) والجلد (M14 و SK-MEL-5)، وكان التأثير انتقائيا ضد الأنواع HL-60 و EKVX و BT-549 و KM12 و SF-295. بالإضافة إلى ذلك فقد أظهر المركب فاعلية أكبر من مركب “سِدروسايد sidroside” ومركب دوكسوروبيسين doxorubicin المعروف، وذلك ضد النوعين HL-60 و EKVX. كما أظهر المركب تأثيرا مشابها لمركب دوكسوروبيسين ضد النوع BT-549 وأحد أنواع سرطان الكلية (UO-31).
كما أضاف بأنه بالنسبة لمركب “سِدروسايد”، فقد أظهر فاعلية انتقائية أكبر ضد نوع من كلٍ من خلايا سرطان الثدي (MDA-MB-468) والجلد (LOX IMVI) والجهاز العصبي المركزي (SMB-19) والمبيض (OVCAR-8) والبروستاتا (PC-3)، وضد نوعين من كلٍ من خلايا سرطان الدم (CCRF-CEM و MOLT-4) والرئة (HOP-92 و NCI-H322M) والكلية (UO-31 و RXF 393).
وكان تأثير المركبين “سِدرين وسِدروسايد” متشابها ضد نوع من خلايا سرطان المبيض (OVCAR-3)، ونوعين من كلٍ من سرطان الثدي (MDA-MB-231 و T-47D) والقولون (HCC-2998 و HCT-116)، وثلاثة أنواع من خلايا سرطان الكلية (UO-31 و 786-0 و SN 12C).
بالإضافة إلى ما سبق، فقد بين الدكتور هاني أن تأثير المركبين المكتشفين كان منعدما على خلايا نخاع العظم السليمة، وذلك حتى بجرعات أعلى من الجرعات الفعالة ضد الخلايا السرطانية، مما يعطي بعض الطمأنينة حول انتقائية هذين المركبين للخلايا المصابة مع عدم التأثير على الخلايا السليمة.
في ختام كلامه، أشار الدكتور هاني خوجه إلى أن النتائج المبشرة لا تُعتبر دليلاً قاطعاً على فعالية المركبين على البشر حتى الآن، وأكد على ضرورة إجراء المزيد من الاختبارات، خاصة على حيوانات التجارب المصابة بأنواع معينة من السرطانات، لضمان فاعليتهما وسلامتهما للاستخدام الإكلينيكي على البشر. وأشار إلى أن هذه النتائج المبشرة هي نتيجة للاختبارات الأولية على خلايا معزولة وليست على كائن كامل. وأكد أن جميع الأدوية الجديدة تخضع لاختبارات مكثفة تستمر لفترات طويلة قبل أن يتم تسجيلها رسميًا وتوفيرها للاستخدام الطبي. وفي هذا السياق، أعلن في هذه المرحلة عن تقدمهما في مبادرات للحصول على الدعم والتمويل لمتابعة مراحل البحث القادمة على هذين المركبين ومشاريع بحثية اخرى.
وللتفاصيل حول مركبي “سِدْرِين” و”سِدْرُوسَايْد” فيمكن الرجوع للبحث المنشور في المجلة الصيدلية السعودية على الرابط التالي:
https://doi.org/10.1016/j.jsps.2023.04.029
وللدراسة الأولية عن التأثير المضاد للجراثيم لمستخلصات الكمأة فيمكن الرجوع للبحث المنشور في المجلة السعودية للعلوم الحيوية على الرابط التالي:
https://doi.org/10.1016/j.sjbs.2022.103462