مقالات
يوم مولد الرسول عيد للبشرية
بقلم: د. غادة محمد عبد الرحمن
تهل علينا هذه الأيام النسائم العطرة، ذات العبق الفريد، حيث ذكرى مولد سيد الخلق، ونور الهدى، خاتم الانبياء والمرسلين، سيدنا محمد ﷺ، الذي قال فيه المولى عز وجل {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} لتختصر هذه الآية الكريمة ما يمكن أن يقال في مئات المجلدات عن الخصال والفضائل الكريمة لرسولنا الكريم، الذي سطع بنوره على الكون فبدد الظلام الساكن في القلوب والعقول والأرواح، وتجلى بعدل قاهر للظلم، وحطم قلاع الرق بعد أن جاء بالوثيقة الإلهية لتحرير الإنسان من براثن العبودية، ونادى بحقوق الإنسان منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وذلك في الوقت الذي كان فيه العالم غارق في ظلام القهر والذل والعنصرية البغيضة.
ولم يُرسل سيدنا محمد ﷺ إلى قوم بعينه كغيره من الأنبياء والرسل عليهم السلام جميعاً، بل أُرسل لكافة الأقوام والأمم، وبُعث للناس كافة، فقد قال الله سبحانه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}، وقال تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}، حيث بُعث رسولنا الكريم لهداية كل الناس، ودون أية استثناءات، على أساس عرق أو لون أو لغة، بل جاء ﷺ لهداية البشرية جمعاء، وذلك مصداقاً لقوله تعالى مخاطباً رسوله الكريم {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، فقد جاءت الرسالة المحمدية رسالة عالمية، حيث إنها رسالة متكاملة، صالحة لكل زمان، ومكان، ومتوافقة مع الناس جميعاً، بمختلف أجناسهم.
هذا ولم تقتصر رحمة الإسلام على أمة المسلمين فحسب، بل شملت كل المخلوقات، فقد خاطب الله سبحانه سيدنا محمد في كتابه العزيز قائلاً {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، والمقصود من كلمة العالمين هنا الإنس والجن، والحيوان والنبات، العالم بأكمله، الذي كان في يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول في عام الفيل، على موعد مع شروق النور المبارك، الذي سطع على الكون لينثر بذور الرحمة، والتسامح، والعدالة، والكرامة، فتطرح مدينة فاضلة، ينعم بها الجميع، ومن هنا يمثل يوم مولد رسولنا الكريم ﷺ يوماً ذو شأناً عظيم، لا لأمة المسلمين فحسب، بل لكل البشر، ومن ثم يعد يوم مولد الرسول، عيد للبشرية جمعاء.