منوعات

الدكتور مصطفى عثمان يكتب/ سلام على ثورة 23 يوليو 1952

 ثورة يوليو لم تكن فقط الإصلاح الزراعي أو مشاركة العمال و الفلاحين في الإدارة أو المجالس التشريعية ؛ أيضا لم تكن حركة التصنيع و بناء السد العالي ؛ و لا هي المعارك مع الاستعمار و الرجعية بأسلحتها الشرسة ؛ و لكنها حركة تنويرية كبرى كان هدفها إيقاظ العقل العربي من ثباته العميق ليدرك مدى التخلف و الجمود الذى هو عليه ؛ و يزداد هذا الجمود مع التقدم العلمي و التكنولوجي الذى قفز إليه العالم من حولنا كأمريكا و اوربا و اليابان . لقد كانت الثورة هي رد فعل طبيعي للوعى بحالة التخلف و التراجع الحضاري و للطموح في أن يكون للعرب مكان تحت الشمس . الثورة وأجهت العقل العربي الذى أستسلم للوهم و الخرافة ؛ هذا العقل الذى تبنى منظومة دفاع ذاتي مريحة بالنسبة إليه – أقرب الى المخدرات – ؛ تبدأ من أننا خير أمة ؛ و أننا على أحسن حال ؛ و كل تغيير بدعة ؛ و كل بدعة ضلالة ؛ و أن أفضل طريق للإصلاح هو العودة الى الوراء إلى الماضي ؛ و كان العقل العربي أكثر استجابة لتلك الدعوة بالنكوص و الارتداد ؛ على الأقل بالجمود و الرضا عن كل ما هو قائم في المجتمع العربي و الحرص على بقاء الجمود و التخلف ؛ و مقاومة التغيير حتى الموت ؛ و كانت ميكانيزمات العقل العربي جاهزة بوسائل دفاعية هائلة تتمثل في أتهام كل من يفكر في مواكبة العصر و ملاحقة المتقدمين في علومهم و ابتكاراتهم بالشيوعية مرة و بالخروج عن الإسلام أخرى ؛ و بالعمالة لأعداء العرب الذين يريدون اقتلاع الجذور الاصيلة لهذه الامة العريقة الخالدة . يعترف الكثيرون و أنا منهم بأن الثورة لم تستطع أن تحقق كل مرادها في هذا المجال التنويري بشكل كافي ؛ فهي كانت تريد أن يصبح في العالم العربي جامعات حقيقية و علماء حقيقيون و اختراعات و أبحاث و تكنولوجيا و ثقافة و حضارة من ابداع العرب أساهما منهم في تيار الحضارة الذى يغزى العالم ؛ و الدليل على هذه النية هي أنشاء مجلس أعلى للثقافة و هيئة عامة للكتاب و وزارة للثقافة و هيئة للمسرح .. و السينما .. و التليفزيون بمصر ؛ و كانت هذه هي الأجهزة و تلك الوسائل من أجل تحقيق التغيير التنويري الذى تبتغيه الثورة ؛ و لم تكن هذه الأجهزة و تلك الوسائل غاية أبدا في ذاتها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى