جرائم تُرتكب وكاميرات توثّق: لماذا اختفى دور المصريين في مواجهة المجرمين؟

بقلم / كريمه الرفاعي
في السنوات الأخيرة، أصبحت مشاهد الجرائم في الشوارع المصرية ظاهرة يومية تثير القلق، لكن ما يلفت الانتباه أكثر من الجريمة ذاتها هو رد فعل المارة فبدلًا من التدخل لإنقاذ الضحايا أو منع الجريمة، نرى العشرات يقفون حاملين هواتفهم المحمولة في أيديهم، يوثّقون المشهد كما لو أنه عرض مسرحي ، فما الذي دفع المجتمع المصري إلى هذا التحوّل الغريب؟
من التدخل إلى التوثيق: كيف وصلنا إلى هنا؟
المصري بطبيعته معروف بشهامته وإقدامه على مساعدة الآخرين، لكن هذا السلوك الإيجابي بدأ يتراجع تحت وطأة عدد من العوامل:
1. الهوس بالتكنولوجيا والشهرة
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصّة لإبراز كل ما هو غريب ومثير، وتحولت الجرائم والحوادث إلى محتوى رقمي يستهلكه الملايين فالبعض يصور بدافع الحصول على الإعجابات والمشاركات، دون التفكير في أبعاد ما يقوم به من توثيق لانتهاك إنساني.
2. الخوف من التورط أو المساءلة القانونية
كثير من الناس يتجنبون التدخل المباشر في الجرائم خوفًا من التعرض للأذى الجسدي أو الدخول في تحقيقات قانونية قد تعقّد حياتهم.
3. ضعف الوعي بالمسؤولية الاجتماعية
غياب التربية على التضامن المجتمعي في مواجهة الأزمات أدى إلى تراجع الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين، وأصبح الفرد يفضل دور المشاهد بدلًا من الفاعل.
النتائج الكارثية للموقف السلبي
التصوير بدلًا من التدخل لا يقتصر أثره السلبي على الضحايا فقط، بل يطال المجتمع بأسره:
تشجيع المجرمين:
عندما يلاحظ المجرم غياب أي مقاومة، تتعزز ثقته بقدرته على تنفيذ جريمته دون عواقب.
إضعاف قيم النخوة والمروءة:
الاعتياد على دور المشاهد يجعل الأجيال القادمة تفقد مفهوم الشهامة والإقدام.
إيذاء الضحايا نفسيًا واجتماعيًا:
تصوير الضحايا ونشر صورهم أو فيديوهاتهم في لحظات ضعفهم يزيد من معاناتهم النفسية ويعرضهم للتنمر والوصمة.
كيف نعيد إحياء روح المسؤولية؟
1. التوعية المجتمعية
يجب أن تتصدر وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية جهودًا لتعزيز ثقافة المسؤولية الاجتماعية، وبيان خطورة السلبية في مواجهة الجرائم.
2. سن قوانين رادعة
من الضروري وضع تشريعات صارمة تُجرِّم تصوير الجرائم والحوادث ونشرها دون إذن رسمي، مع فرض عقوبات واضحة على المخالفين.
3. تشجيع التدخل الآمن
على الجهات المختصة تدريب الأفراد على كيفية التدخل بشكل آمن في الحالات الطارئة، مثل الإبلاغ الفوري للشرطة أو مساعدة الضحايا دون تعريض أنفسهم للخطر.
وفي الختام ما نشهده اليوم من سلبية مجتمعية وتصوير للجرائم بدلًا من مواجهتها هو انعكاس لتحولات عميقة في القيم والسلوكيات ،و لكن هذه الظاهرة ليست حتمية، فبإمكان المجتمع المصري، بشهامته وتاريخه الحافل بالتكاتف، أن يعيد صياغة واقعه ليعود كما كان، نموذجًا للإنسانية والإقدام في مواجهة الأزمات.