حرب غزة.. الرابح و الخاسر

كتب/ حسن علي حسن
منذ مايقرب من خمسة عشر شهرا هي عمر الحرب التي شنتها إسرائيل علي قطاع غزة بدعم امريكي غربي والتي خلفت وراءها مايقرب من خمسين ألف شهيد أغلبهم من النساء والأطفال وأكثر من مائة ألف مصاب وهدم أحياء بأكملها وتوقف شبه تام للحياة في غزة في حرب هي الاقذر عبر تاريخ إسرائيل الدموي والتي انتهكت فيها كل مانصت عليه القوانين والأعراف الدولية وجعلتها حرب إبادة بكل ما تعنيه الكلمة فاتت علي الاخضر و اليابس في القطاع ولم تفلح معها اي محاولة لوقف المذابح اليومية التي ترتكبها بحق المدنيين العزل من السلاح وتدمير المستشفيات ومراكز الايواء ومدارس الاطفال وبرغم الاعتراضات الدولية والمظاهرات الحاشدة التي قامت بها شعوب العالم الا ان إسرائيل تحدت العالم أجمع ولم تلتفت إلى قرارات مجلس الأمن الصادرة بوقف القتال .وبعد تعثر المفاوضات التي كانت تقودها كل من مصر وقطر بجانب الولايات المتحدة أكثر من مرة ومماطلة حكومة نتنياهو لعدم التوصل إلي وقف القتال واستمرار الحرب إلا أن الجهود التي بذلتها مصرفي هذا الصدد والتي كان لها بالغ الأثر علي تقدم المفاوضات بجاني الشريكين قطر والولايات المتحدة الأمريكية أتت ثمارها اخيرا وتم الاتفاق بين طرفي النزاع علي وقف الحرب مع تبادل الأسري ووضع حدا لآلة الحرب الهمجية الإسرائيلية . وهنا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا الماراثون الطويل من الحرب من هو الخاسر من هذه الحرب ومن هو الرابح هل إسرائيل ام غزة وماهي المكاسب التي تحققت علي أرض الواقع لكلا الطرفين وللإجابة علي هذا السؤال لابد من الوضع في الاعتبار أن هذه الحرب لم تكن ابدا متكافئة اي دارت بين قوتين عسكريتين بل علي العكس هي حرب بين شعب أعزل في مدينة صغيرة محاصرة منذ مايقرب من سبعة عشر عاما ممنوع منها كل شئ لاسلاح ولاعتاد وبين جيش مكتمل الاركان يلاقي دعما متواصل من اقوي دولة في العالم ومدجج بأحدث الأسلحة الفتاكة .إذا هذه حرب غير عادية وخسارة طرف وفوز الآخر لابد أن يقاس بمعايير منطقية . فبرغم عدم التكافؤ بين القوتين إلا أن الطرف الأقوى وهو إسرائيل تكبدت خسائر فادحة في هذه الحرب فالتقديرات تشير الي خسائر بلغت مايقرب من سبعين مليار دولار مابين خسائر عسكرية واقتصادية بالإضافة إلى الخسائر البشرية في صفوف الجيش من جنود وضباط والتي لم تخسرها في أي حرب سابقة منذ حرب اكتوبر ٧٣ أما عن الخسائر المعنوية للشعب الإسرائيلي فكان العنوان الرئيسي هو شعور غالبية الإسرائيليين بعدم الأمان في كل أركان الأرض المحتلة ونزوح الآلاف من منازلهم في مناطق النزاع الحدودية وعدم رغبة الكثيرين منهم في البقاء في إسرائيل والهروب من جحيم الحرب .ثم إن الكثير من دول العالم ايقنت أن هذه الدولة مغتصبة للأراضي الفلسطينية وأنها منتهكة للقوانين والأعراف الدولية وأنها قاتلة للأطفال والنساء ومواطنيها أشخاصا غير مرغوب فيهم حتي شعوب هذه الدول كشفت لهم هذه الحرب عن الوجه القبيح لإسرائيل وقد عبرت هذه الشعوب عن رأيها بالمظاهرات الحاشدة المؤيدة للشعب الفلسطيني والايمان بقضيته العادلة في تقرير مصيره واسترداد حقه المسلوب. فإسرائيل خسرت الكثير من هذه الحرب إقتصاديا وسياسياً واجتماعيا وعسكريا حتي وان بات ظاهرا للحكومة الإسرائيلية أنها انتصرت في الحرب وً انها تخلصت من قادة حركة حماس واضعفت قوتها ودمرت أسلحتهم.أما في الجانب الآخر فالوضع المأساوي يقول أن هذه الحرب رغم خسائر إسرائيل الضخمة إلا أن خسائر القطاع فاقت الحدود لقد تم تدمير احياء بأكملها وهدمت علي رؤوس أصحابها وتم تدمير البنية التحتية لغزة والقطاع الصحي الذي خرجت مستشفياته من الخدمة بالكامل والضحايا الأبرياء الذين سقطوا بألالاف في حصيلة هي الأكثر علي مر حروبهم كما أن هجوم السابع من اكتوبر والذي كان مؤلما لإسرائيل إلا أنه جاء بنتائج عكسية علي حركة حماس التي فقدت الكثير والكثير من عناصرها كما أصبح استمرارها في غزة بعد الحرب غاية في الصعوبة فقد فقدت الحركة قادتها الكبار واحدا تلو الآخر كما فقدت السيطرة على القطاع وخسرت الكثير من قدراتها العسكرية واسرائيل سوف تعمل جاهدة علي عدم وجود أي شخص آخر من حماس علي ارض غزة بعد انتهاء الحرب .لأن إسرائيل اخذت من هجوم السابع من أكتوبر زريعة للقضاء علي الحركات المقاومة الفلسطينية وشل قدرتها ومحو القضية الفلسطينية من الوجود وتصفية مايسمي بحل الدولتين.إذن هذه الحرب الكل فيها خاسر والمكسب الوحيد هو إعادة إحياء القضية الفلسطينية الي الواجهة مرة أخري وايقاظ العالم من سباته وكشف الوجه القبيح للكيان الصهيوني.ولكن بثمن باهظ التكاليف من أرواح الأبرياء وقتل الاطفال والنساء وتدمير مدينة بأكملها علي رؤوس سكانها.