مقالات

حقيقة الحياة.. رحلة قصيرة بين الميلاد والوداع… فكيف نعيشها قبل أن تنتهي؟

✍🏻بقلم: بسمله الرعمي 

 

الحياة… تلك الكلمة التي نحملها في قلوبنا ونسير بها دون أن ندرك حقيقتها كاملة، نعيشها بكل تفاصيلها، بحلوها ومرها، بنجاحاتها وإخفاقاتها، بلحظات الفرح التي نتمناها أن تدوم، وبالأوجاع التي نتمنى أن ننسى أننا مررنا بها، لكنها في النهاية… مجرد حياة، وستنتهي يومًا ما، مهما طال العمر أو قصر.

نولد دون أن نملك خيارًا في القدوم إلى هذا العالم، وعندما نرحل، لا نملك خيارًا في موعد الرحيل، وبين لحظتي الميلاد والموت، نمضي في دروب متشابكة، نواجه تحديات، ونحصد انتصارات، ونخسر معارك، ونفرح ونحزن، لكننا جميعًا متساوون أمام الحقيقة الكبرى: “كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام” (الرحمن: 26-27).

مهما حاول الإنسان أن يتمسك بالحياة، ستأتي لحظة النهاية، وسيترك خلفه كل شيء: الأموال، المناصب، الشهرة، وحتى أقرب الناس إليه. 

لكن يبقى السؤال الأهم: كيف نعيش هذه الحياة قبل أن تنتهي؟ وكيف نجعل وجودنا فيها ذا قيمة؟

في زمن أصبح القتل فيه أمرًا معتادًا، والخطف والسرقة وقسوة القلوب ظواهر يومية، وفي عصر باتت فيه النفوس خالية من الرحمة، يجب أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا. 

لماذا وصلنا إلى هذه الدرجة من الوحشية؟ كيف أصبح الإنسان عدوًا لأخيه الإنسان؟ هل نسينا أن هذه الحياة مجرد لحظة عابرة، وأننا جميعًا راحلون؟

لكن السؤال الأهم: لماذا نترك كل ما هو إيجابي، ونركز فقط على السلبي؟ لماذا نرى الظلم ولا نرى العدل؟ لماذا نشاهد القتل ولا نلتفت إلى من ينقذ الأرواح؟ لماذا نتحدث عن الخيانة ولا نحتفي بالوفاء؟ الحقيقة أن الإنسان بقدرة الله جعله مسير، ومخير، وقد أعطاه الله القدرة على الاختيار منذ قديم الأزل، كما ذُكر في قصة قابيل وهابيل، عندما اختار أحدهما طريق الشر والقتل، بينما اختار الآخر طريق الخير والاستسلام لحكم الله. 

لم يكن ذلك ظلمًا أو إجبارًا، بل كان اختبارًا، كما هو حالنا اليوم، في كل لحظة نحن مخيرون بين أن نكون طيبين أو قساة، صادقين أو كاذبين، عادلين أو ظالمين. 

نعم، الشر موجود منذ بدء الخليقة، لكنه لم يكن يومًا هو القاعدة، بل كان الاستثناء، وكان دائمًا هناك من يختار النور في وسط الظلام، المشكلة ليست في أن العالم ممتلئ بالشر، بل في أن الخير موجود لكننا لا نراه، لأننا انشغلنا كثيرًا بالسلبية، وأهملنا كل الأشياء الإيجابية التي تجعل الحياة تستحق أن تُعاش.

القاتل الذي يسلب حياة إنسان آخر بدم بارد، هل يعتقد أنه خالد في هذه الدنيا؟ السارق الذي يسرق أموال الناس، هل يظن أن المال سيبقى له للأبد؟ الخاطف الذي يرعب القلوب، والمحتال الذي يخدع الناس، كلهم سيواجهون لحظة النهاية مثل غيرهم، لكن الفرق أن بعضهم سيحمل معه حسناته وأعماله الطيبة، بينما سيحمل آخرون أوزارًا تثقل كاهلهم يوم الحساب.

هذه الحياة ليست سوى اختبار، وهي لا تستحق أن نرتكب فيها الجرائم من أجل مكاسب مؤقتة، الغدر، الظلم، الخيانة، كلها أفعال قد تمنح صاحبها بعض القوة الزائفة، لكنها لن تدوم، سيندم الظالم يوم لا ينفع الندم، وسيقف القاتل بين يدي الله ليحاسب على كل روح أزهقها، وسيُسأل السارق عن كل ما أخذه بغير وجه حق. 

أحد أكبر الأخطاء التي يقع فيها البشر أنهم يعيشون وكأنهم خالدون، ينغمسون في الجشع والطمع، يظلمون غيرهم، يأخذون حقوق الضعفاء، وكأن هذه الحياة لن تنتهي أبدًا، لكن في النهاية، الجميع سيرحل، ولن يبقى إلا الذكرى والأثر.

كم من إنسان كان يظن أنه الأقوى، لكنه رحل ولم يتبقَ منه سوى سيرة سيئة يلعنها الناس؟ وكم من شخص كان بسيطًا، لكنه ترك خلفه بصمة لا تُمحى بسبب طيبته وفعله للخير؟

الحياة ليست بطول السنين، ولكن بما نفعله فيها، ليست بكثرة الأموال، ولكن بكيفية استخدامها، ليست بالمناصب والسلطة، ولكن بتأثيرنا الإيجابي على الآخرين، يمكن للإنسان أن يكون غنيًا لكنه بخيل وظالم، ويمكن لشخص فقير أن يكون عظيمًا بكرمه وأخلاقه، في النهاية، لا أحد سيأخذ شيئًا معه، بل سنقف جميعًا أمام الله حفاة عراة، لا نحمل معنا إلا أعمالنا.

هناك من يسرق ويخدع ويقتل بحجة الحاجة أو الظروف، وهناك من يبرر أفعاله بقسوة الحياة، لكن الحقيقة أن الشر ليس مبررًا أبدًا، وأن كل إنسان لديه خيار بين أن يكون صالحًا أو فاسدًا.

من يختار الظلم سيُظلم يومًا، ومن يختار الكذب سيعيش في خوف دائم من انكشافه، ومن يختار القتل سينام وقلبه مضطربًا، لأنه يعلم في أعماقه أن هناك يومًا سيُحاسب فيه، في المقابل، من يختار الخير قد يواجه صعوبات، لكنه سينام مرتاح البال، وسيعيش حياة مليئة بالسلام الداخلي، لأنه يعلم أنه لم يظلم أحدًا، ولم يأخذ حق غيره. 

الحياة قصيرة جدًا، لكن يمكن أن نجعلها ذات قيمة، يمكننا أن نكون سببًا في سعادة الآخرين، بدلًا من أن نكون سببًا في تعاستهم، يمكننا أن نساعد الفقراء بدلًا من أن نسرقهم، يمكننا أن نُحسن إلى الضعفاء بدلًا من أن نستغلهم، يمكننا أن نكون أناسًا صالحين، حتى وإن كان العالم مليئًا بالشر.

عندما نغادر هذه الدنيا، لن يُذكر كم كان رصيدنا في البنك، ولن يهم كم عدد السيارات التي امتلكناها، بل سيُذكر كم مرة ساعدنا إنسانًا محتاجًا، وكم مرة زرعنا البسمة على وجه طفل يتيم، وكم مرة وقفنا إلى جانب مظلوم.

لنأخذ عبرة من الذين سبقونا، لننظر إلى المقابر، سنجد فيها الأغنياء والفقراء، القادة والجنود، الظالمين والمظلومين، كلهم في النهاية تحت التراب، ولا فرق بينهم الآن إلا بما قدموه في حياتهم. 

في النهاية، كل ما نملكه هو هذه اللحظة، والفرصة لنعيش بطريقة صحيحة، لا تجعلها تضيع في الحقد والبغض، أو الركض خلف أشياء لا تدوم، لا تكن ظالمًا، ولا تكن خائنًا، ولا تكن قاتلًا، لأنك ستواجه يومًا حقيقة أنك مجرد إنسان ضعيف، لن تأخذ معك شيئًا غير أعمالك، سواء أكانت خير أو شر. 

إن الحياة ليست سوى امتحان، وعلينا أن نحسن الإجابة عنه، الخير هو الطريق الذي يجب أن نختاره، لأننا في النهاية سنعود جميعًا إلى خالقنا، وسنُسأل عن كل فعل، عن كل كلمة، عن كل قرار اتخذناه، فليكن قرارنا أن نعيش بسلام، أن نترك أثرًا طيبًا، أن نكون نورًا في عالم امتلأ بالظلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى