منوعات

” شيزوفرينيا ” قصة قصيرة للكاتبة دنيا حسين

 

يجلس دائمًا في الظلام يستخدم فلاش هاتفه للبحث عن الأشياءِ، وحيد طوال الوقت، لا يهتم بأحد، ولا ينتظر من يهتم به، فقط يريد أن يعيش في سلام بعيداً عن وحشية وهمجية العالم ،في قلبه يسكن النور والحرية والمحبة، ومن تسكن قلبه وعقله هي فقط من ستنال السعادة إلى الأبد!

شخص مثله خلق ليبتسم ليسعد كل من حوله لا يليق عليه البؤس ولا المعاناة، شخصيته ورجولته تجبرك على احترامه وحبك له، لا اعتقد أن هناك من يكرهه ولو كان هناك فذلك من حقده عليه، هو الحياه والأمل والسعادة هو كل شيء!!وسيظل كل شيء!!!!! 

دائماً يبحث عن الملاذ لكي يتحرر من جميع مشاكله وهمومه، يحاول الهروب منها ولكنها تحاصره من كل مكان ولكن هيهات للمشاكل أن تكسره أو تغلبه فهو الذي يغلب أي شيء في ذلك العالم. 

يفتح المصباح الذي بجانبه ثم يمسك قلمه ودفتر أوراقه ويبدأ كل ليلة في كتابة قصة جديدة من قصصه الرائعة التي لا تنتهي على أمل أن تنشر واحدة من تلك القصص وترى النور ، وعندما ينتهي يجلس ليقرأ قليلاً ثم قبل كل ذلك يتحدث مع ابنه عبر الهاتف كل يوم ليطمئن عليه بعد انفصاله عن زوجته، لم يكن حزينًا لفراقها. ولكنه تعلم أنه ليس هناك شيء دائم في تلك الحياة فتعود ع الفراق ذلك الشخص الذي يسعد جميع الناس ويصبرهم على مآسيهم وأحزانهم ويشعرهم بأن الحياة رائعة ولكن بداخله هم كبير لو شعر به أهل الارض جميعاً لتكسرت الجبال عليهم. 

 كعادته يرتشف القليل من الماء من الكوب الذي يضعه بجانبه دومًا ،وأثناء تصفحه لصفحته الشخصية ويفكر كثيرًا بما يحدث حوله

ويعود السبب نفس روتينه اليومي إلى عمله بائس حزين من الداخل وعندما تراه لن تشعر بكل ما بداخله مبتسم للجميع بشوش ولا يتردد أبدًا في مساعدة أي شخص، ولا يعبأ لتفاهات الحياة .

فقط هي الوحيدة التي تهتم به قدر المستطاع ولكن لن يعيطها الفرصة بالاقتراب منه كثيرًا خوفًا عليها من نفسه!! 

غرفة أنيقة بها مكتبة مليئة بالكتب يحلم بها أي قارئ وفي أرضية الحجرة نجد ملابسه ملقاه على الأرض كما يفعل كل يوم بعد رجوعه من العمل يخلع ملابسه يلقيها على الأرض. 

تدخل عليه أمه للاطمئنان عليه ،وتقوم بجمع ملابسه وتقوم بوضعها في مكانها:

-هل ستأكل يا “يونس” ؟! 

دون أن ينظر إليها …

=لا أريد الآن ربما لاحقًا. 

تجلس بجانبه و تضع يدها على رأسه فينظر إليها بحنان ويقوم بتقبيل يدها .

-حدثني كيف حالك؟ 

=بخير يا أمي لا تقلقي ،فقط أريد منكِ طلب؟ 

-ما هو؟ 

=اتصلي ب “أمل” أطلبِ منها بأني سوف أخذ “أدهم” غدًا ليتناول طعام الغداء معنا في المنزل أثناء زيارة كارما ووالدتها للتعرف عليهم والتعود علي ذلك الأمر! 

تندهش الأم من كلام “يونس” 

-أدهم؟!!!! لكن…. 

=أعرف ما سوف تخبريني به أنها سوف ترفض كالعادة، ولكن اخبريها أرجوكِ يا أمي لقد اشتقت إليه كثيرًا!

تربط الأم على كتف ابنها في صمت !

تتصل الأم بخطيبته بعد خروجها من غرفته وتخبرها بما حدث:

-هل أنتِ متأكدة أعتقد انه يمزح معه كعادة “يونس”.

=اتمنى ذلك يا بنيتي، أنا قلقة جدًا بشأنه. 

-لا، لا تقلقي غدًا سنفهم منه ذلك الأمر! 

تستيقظ “كارما” على صوت رنين الهاتف تمد يدها وتقوم بتحسس الكومود الذي بجانبها حتي تصل إلى الهاتف !

-صباح الخير يا حبيبي، وحشتني! 

=صباح النور، أنتِ أكثر. 

=على ميعادنا اليوم، أمي سوف تعد لكي اليوم كل ما لذ وطاب. 

-بالطبع أنا آتيه لكي آكل 

يهم يونس بالضحك ويقول:

بالهناء والشفاء مقدمًا ثم يستطرد في الكلام:

=سوف أتاخر قليلا اليوم، لأني سوف أذهب إلى أمل لكي أتي ب “أدهم” لتناول الطعام معنا! 

-أدهم؟ أدهم من؟! 

=ابني ،اعتقد بإنكِ لم تفيقي من النوم بعد ،سأذهب الآن لإنهاء العمل سريعًا كي لا أتاخر عليكم، سلام

ظلت كارما جالسة على سريرها غير مستوعبة كلام “يونس” وبدأت تُحدث نفسها

-اعتقد أن كلام والدته كان صحيحًا!!!! 

بدأت كارما بالقلق عليه

 كارما فتاة جميلة جدًا تتسم بعينيها الواسعتين ووجهها البشوش وروحها المرحة التي يعشقها الجميع تبلغ من العمر سابعة وعشرين عام ،وهي أصغر من يونس بعشر سنوات طبيبة نفسية تعرفت على يونس بعد طلاق زوجته بثلاث أشهر اعتبرها ملاذه وهروبه من آلامه، هي الوحيدة التي عرفت كيف تحتويه والتقرب منه بالرغم من الصعوبة التي وجدتها في طباعه الصعبة وحبه للإنعزال إلا أنها بذكائها عرفت كيف تتقرب منه !

قاطعتها أمها وطلبت منها بتجهيز نفسها للذهاب إلى بيت يونس.

وفي بيت يونس تقوم كارما بإعداد منضدة الطعام ووضع الأطباق عليها بينما والدة يونس ووالدتها يقومان بإعداد الطعام في المطبخ، تسمع صوت يونس وهو يفتح باب البيت وهو يحمل بالونات كثيرة ودمية كبيرة فتقبل عليه فرحة ظنًا منها بإنه احضرها لها. 

تأخذ منه الدمية .

-إنها جميلة جدًا ،شكرًا لك 

=لا، إنها ليست لكي تلك الدمية لأدهم. 

-هيا يا أدهم قم بالسلام على طنط كارما !

شعرت كارما بالذعر ولكنها تمالكت أعصابها 

قامت بمد يدها وتظاهرت بالسلام على أدهم، ولكنها لم تصافح أحدًا، لأن الحقيقة هي موت أدهم منذ ثلاث سنوات، عندما قامت سيارة بدهسه عندما كان معه في أحد الحدائق وكان يلعب مع والدته وذهب لشراء الآيس كريم وعندما كان مقبلاً نحوه قام بالركض وقامت سيارة مسرعة بدهسه، وعندها قام بتطليق زوجته لإتهامها بأنه السبب في موته وشعوره بالذنب الشديد تجاه ذلك وحينها لم يستوعب موته! 

جلست كارما على الكرسي الذي بجانبها وكانت متوترة وحزينة فقاطعها يونس من شرودها

-أنتِ لا تحبي أدهم؟! اشعر بذلك، لكن لماذا؟! أعلم بحبك الشديد للأطفال!

بصوت منخفض 

=أدهم مات! 

-ماذا تقولي يا كارما! 

=أدهم مات يا يونس ،مات، هل نسيت

وفي الحال قام بصفع كارما على وجهها ويصرخ في وجهها 

-أنتِ تكذبين! هل صور لكِ كرهك له بأن تكذبِ

تخرج الأمهات من المطبخ بذعر لمشاهدة ما يحدث، لم تبالي كارما بما فعله يونس فقد علمت ما به 

-أدهم مات يا يونس، ليس موجود بيننا الآن 

تهم الأم بالبكاء ووالدة كارما تقوم بتهدئتها تتساقط الدموع من عين كارما وتحاول تمالك اعصابها 

=مات ولن يعود ابدا يا يونس 

يجلس يونس على الأرض ويجهش بالبكاء 

-مات؟ كيف؟! أنا أتحدث إليه كل يوم في الهاتف 

تعالت أصوات بكائه بحرقة وهو يتذكر موت ابنه أمام عينه تلك الحادثة البشعة التي كانت سببًا في دمار أسرة ومعرفته بكارما. 

اقتربت كارما منه قام باحتضانه وظل يبكي بحرقة في حضنها!!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى