قصة

 كيف نؤسس لعدالة انتقالية صحيحة؟

 كيف نؤسس لعدالة انتقالية صحيحة؟ 

 يحي خليفه 

طبعا، في أي عصر، توجد الآراء المتطرفة، والمتطرفة هنا ليس إهانة، ولكنها توصيف حقيقي للآراء وأصحابها، والتطرف دائما من الفريقين، ليس من جانب واحد فقط، لأن التطرف من مسلمات الطبيعة البشرية، ولكنها ليست أصل الطبيعة البشرية، الأساس هو الاعتدال في الرأي، لا مانع من الميول يمينا أو يسارا، ولكن هناك ألف مانع من الانحدار بالرأي إلى درجة عدم قبول الآخر شكلا ومضمونا. هذه الأيام بدأت من جديد تتزايد دعوات التصالح مع شباب يناير ويونيو، بسبب الفجوة الكبيرة بين القيادة السياسية والشباب، وإذا كنت ممن لا يؤمن بالفجوة، فعليك أن تعرف أن العشرات من الشباب يقضون أياما طويلة خلف السجون بسبب قانون التظاهر الذي خرج في غيبة البرلمان وبعوار دستوري واضح، ولم تتراجع عنه الدولة رغم مطالبات عدة من قوى سياسية مختلفة، ولك أن تعلم أيضا أن ثورة يناير التي كنا نتباهى بها وبشهدائها أصبحت مؤامرة في نظر كثيرين من رجال الدولة، رغم أنهم كانوا يسبحون بحمدها في الماضي. نعود للمصالحة من جديد. الأصل عند طرح فكرة المصالحة أن يدور حوار بشأنها فيما يتعلق بالمضمون الحقيقي للمصالحة كتعريف وطريقة وأسلوب للتنفيذ، وآلية الفصل بين من حمل السلاح في وجه الدولة ومن تسلح بالكلمة والرأي فقط، ولكن الغريب من الآراء المتطرفة، أنها ترفض بالأساس فكرة المصالحة، ترفض الطرح، وتعتبر من يقدم على ذلك من أبناء الطابور الخامس، ولا يخاف على البلد ولا يعرف مصلحتها الوطنية. ما يدهشني أن رفض المصالحة ليس من المحسوبين على الدولة والكارهين بالأساس لثورة يناير، ولكن الرافضين أيضا من بعض شباب يناير، ورفضهم هنا يدرجهم تحت فئة الآراء المتطرفة التي بدأت بها المقال. سبب كبير من انغماسنا في جدال عقيم في قضايا الوطن، مصدره الأساسي هو التطرف في الرأي، وتمسك كل فريق بموقفه سواء بالقبول أو الرفض متحصنا بما يقتنع به، دون أي قابلية لسماع الرأي الآخر. بناء الدول ليس فقط بالمشروعات القومية ولا بإصلاح الهيكل الإداري للحكومة ولا برصف الطرق أو توصيل الكهرباء لكل أسرة، جميعها خدمات «فوق رأسنا»، ولكن يبقى الأفق السياسي، يبقى بناء جسر تواصل مع شباب البلاد، مع من ضحوا من أجل أن تنهض البلد وقت أن كان الجميع يسكن المنازل ويلتزم الصمت. وهل الشباب أخطأ؟ نعم، بلا جدال، ولكن من في مصر بالسنوات الأربعة الماضية لم يخطأ بما في ذلك من هم على رأس الدولة، تجدد الأمل في البلاد مرهون بالمغفرة. مرهون ببناء أفق سيأسى، والأفق السياسي في وقتنا هذا لن يتم إلا بمصالحة حقيقية مع الشباب… المصالحة، تعنى خطوات نحو تقليل الفجوة مع الطرف الآخر المنتمي بالأساس لمعسكر مخالف في الرأي. إن كانت الدولة قبلت بكامل قواها العقلية، الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي «الترابين» في صفقة لتبادل الأسرى مع تل أبيب، وقبل ذلك بـ15 عاما، قبلت الدولة بكامل قواها العقلية أيضا أن تفرج عن أعضاء الجماعات الإسلامية ممن تورطوا في قتل الرئيس الراحل أنور السادات في إطار «حركة المراجعات الفكرية»، ألا يجب أن تبادر الدولة الآن بالإفراج عن الشباب المحبوسين، في إطار «حركة المصالحة الوطنية مع شباب يناير ويونيو» مع تجدد الخلاف على قضية “تيران وصنافير” تزداد الفجوة اتساعا، وهو الأمر الذى يتطلب حوارا سريعا مع الصوت المخالف ومن بعضها تأسيس لمصالحة ليس مع من حمل السلاح أو خرب مؤسسات الدولة إنما مع أصحاب الفكر.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى