ونواصل حديثنا عن الملاحظة الرابعة فنقول إنه لكي نعرف دلالة (ظنوا)
علينا أن نراجع السياقات التي وردت بها في القرآن ؛إذ من الثابت أن استخدامات القرآن للألفاظ تلازمها دلالات مصاحبة لها حسب كل بنية ، وقد ورد الجذر اللغوي (ظ ن ن) بأكثر من بنية وهي (ظن ، ظنا ، ظننت ، ظنوا ، أظن ، لأظنك ، لأظنه ، تظن ، تظنون ، نظن ، نظنك ، نظنكم ، الظن ، ظنا ، ظنكم ، ظنه ، الظنون ، الظانين) وهي وإن لزمتها دلالة مشتركة في كل البنيات فإننا نركز على بنية (ظنوا) الواردة في الآية موضوع الدراسة وقد وردت بهذه البنية تسع مرات في سورالأعراف171والتوبة 118 ويونس22والكهف 53 والقصص39وفصلت48 وأخيرا يوسف 110 وتفصيل ذلك هو قوله تعالى : (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم ) فظنهم بوقوع الجبل بما رأوه أمر يقارب اليقين ولكنه لما يقع بعد وقوله :
(وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه) وهو في حال الثلاثة الذين خلفوا وقد أدركوا أن النجاة من الضيق والحصار الذي هم فيه لن يتأتى لهم إلا بعفو من الله ولكن لم تكن آية العفو قد نزلت بعد وقوله :
(وجاءهم الموت من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم) فما رأوه وعاينوه لم يكن يؤهل إلا للموت الذي يحيط بهم ولكنهم لما يحاط بهم من الموت بعد وقوله :
(ورأي المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها) فماذا بعد أن عاينوا جهنم ورأوها رأي العين إلا أن يُساقوا إلي لهيبها ولكن لم تكن قد مستهم النار بعد وقوله : (وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون) وهو حال فرعون وآله الذين اغتروا بنعم الله عليهم فاعتقدوا اعتقاداً جازماً لديهم أن احدا لا يملك حسابهم أو يمكن أن تكون له سلطة أو ولاية عليهم ولكن اعتقادهم ذاك لم يؤكده الواقع بعد لأنهم أخذوا ورجعوا إلى الله بعد انتهاء دولتهم وقوله :(وظنوا ما لهم من محيص) وهو حال المشركين بالله آلهة أخري يوم القيامة بعد أن تضل عنهم الآلهة التي كانوا يدعون من قبل فيعلمون أن لا مهرب ولا محيص من الله ولكن الله يناديهم ويحاججهم بألهتهم أن يستنصروا بها ولما ينته الموقف بعد.
فجميع السياقات السابقة يأتي فيها الظن بدلالة اليقين ولكنه اليقين الذي لما يتحقق التيقن منه فعلا وإن كان متحققا ظناً أي أنه يقين بالقوة وليس يقينا بالفعل على حد تعبير الفلاسفة
وفي الآية موضع الدراسة وهي الموضع التاسع يقول تعالى : (وظنوا أنهم قد كذبوا) فهو إذن مقاربة اليقين لدي أولئك الرسل أنهم كذبوا ولم ينجحوا في إقناع المكذبين ولكنهم لم يصلوا إلي هذا اليقين الفعلي إذ مازالت الفرصة قائمة لتصديق أولئك المكذبين بعضهم أو كلهم لأن تنكيل الله بهم لما يقع بعد فالظن هنا هو غلبة الظن الذي يوشك أن يكون يقينا لكنه لما يتحقق بعد.
وللحديث بقية في الحلقة القادمة
بقلم الدكتور/صفوت عبدالله الخطيب
راجع المقال دكتورة سناء النني