وطن الهلال الخصيب
الهلال الخصيب هو المنطقة التي تبدأ من جنوبي العراق وتنتهي في شمالي مصر متضمنة سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، وهي على شكل هلال ويطلق عليها البعض تسمية مهد الحضارة لمنجزاتها الثقافية والتقنية التي تضمنت:
التقنيات الزراعية
تدجين الحيوانات
التنجيم ورسم دائرة البروج
مفهوم الوقت
العلوم والتكنولوجيا
العجلة
الكتابة والأدب
الدين
الرياضيات وعلم الفلك
تجارة المسافات البعيدة
الممارسات الطبية (تشمل طب الأسنان)
وما هذا إلا غيض من فيض، أما تسمية الهلال الخصيب نفسها فكثيرًا ما تُنسب إلى العصور القديمة لكنها -في الواقع- لم تظهر إلا سنة 1916 م مع عالم المصريات جيمس هنري برستيد في كتابه الشهير «العصور القديمة: تاريخ العالم المبكر»، ولشعبية الكتاب انتشر استعمال مصطلح الهلال الخصيب حتى أصبح اسمًا للمنطقة في الوعي الثقافي المعاصر.
اختراع الكتابة والعجلة والمدينة
كان استحداث المدينة أحد أهم ابتكارات العراقيين القدماء، إذ لم تكن هذه الفكرة الشائعة اليوم موجودة قبلهم على الإطلاق
تطورت الكتابة بشكل مستقل في مناطق مختلفة من العالم تمتد من الصين حتى أمريكا الوسطى، لكن أول كتابة وجِدت أوجدها العراقيون قبل سنة 3000 ق.م، وهي التي نطلق عليها اليوم تسمية الكتابة المسمارية.
ابتُدِعت العجلة -مثلها مثل الكتابة- في العراق القديم أيضًا (نحو 3500 ق.م) على عكس ما يُشاع عن اختراعها في آسيا الوسطى، ويرجع تاريخ أقدم عجلة في العالم إلى نحو 3200 ق.م (تُعرف باسم عجلة مستنقعات ليوبليانا) وقد اكتُشِفت سنة 2002 م في سلوفينيا، الأمر الذي أدى إلى شيوع فكرة اختراع العجلة في آسيا الوسطى، لكن العجلة العراقية أقدم من ذلك كما يدل وجودها في الفن العراقي القديم السابق على سنة 3200 ق.م.
أما استحداث المدينة فيُعدُّ من أهم ابتكارات سكان بلاد الرافدين، وقد نختلف بشأن مدى منفعته لكننا نعلم أن المدن لم توجد قبل إنشاء العراقيين لها وأن فضل وجود مفهومها يرجع إليهم أولًا وأخيرًا، وقد تطورت المدينة من التجمعات السكانية الصغيرة خلال حقبة أوروك، إذ ازدهرت هذه التجمعات وجذبت من المناطق القريبة منها سكانها الذين ربما كانوا يعيشون عيشة أصعب.
أسبغت مدن بلاد ما بين النهرين الحماية على سكانها من النوائب والحيوانات المفترسة والمهاجمين، ووفرت لهم فرصًا جديدة لمعيشة أفضل، ومن هذا المنطلق كانت المدن في البداية مفيدةً جدًا لساكنيها إلا أن ازدحام الناس فيها -لاحقًا- وتوسعها أديا إلى نضوب الموارد المتوفرة في محيطها، حتى أن كثيرًا من المدن التي ظن الآثاريون أنها دُمِّرت بسبب الحروب هُجرت -في الواقع- لنضوب الموارد لا لسبب آخر.
أول حرب مدوّنة في السجلات
كان الماء أحد أهم الموارد في العراق القديم وكان هو على الأرجح سبب أول حرب مسجلة في التاريخ، فنحو سنة 2700 ق.م قاد ملك مدينة كيش السومرية «إين مي باراكي سي» شعبه في حملة عسكرية ضد بلاد عيلام (تقع في إيران الحديثة) فانتصر عليهم وحمل الغنائم عائدًا إلى العراق القديم، وهذا كل ما نعرفه عن تلك الحملة العسكرية لكن المُرجّح أن الخلاف بين البلدين بدأ بسبب حقوق الوصول إلى المياه.
كانت تلك الحرب مهمةً لسبب آخر أيضًا، إذ إنها كانت مثالًا على اتحاد دويلات المدن السومرية لخدمة هدف مشترك، فقد كانت تلك الدويلات -مثلها مثل دويلات المدن الإغريقية اللاحقة- تخوض الحروب فيما بينها لكنها -عندما يجد الجد- كانت تعمل معًا يدًا بيد لحماية مصالحها المُشتركة.