مقالات

«طقوس رمضانية بين الماضي والحاضر» بقلم الدكتورة: منار إبراهيم عرفة

تميزت مصر عن باقى الدول الإسلامية بطقوس إحتفالية بقدوم الشهر الكريم وإن اتفقت فى الاحتفال بإستطلاع هلال الشهر الكريم وذلك منذ العصر الإسلامى حيث فى هذه اليلة يخرج الحاكم ومعه كبار رجال الدولة وعلماء الدين فى احتفالية دينية تقرأ فيها أيات القرآن الكريم، وذلك فى انتظار الشخص المكلف بإستطلاع هلال رمضان ، وذلك منذ العصر الفاطمى حيث يعد هذا العصر من اكثر الفترات احتفالا بقدوم الشهر الكريم ، ومن مظاهر الإحتفال التى تنفرد بها مصر هى فانوس رمضان ، وظهر منذ العصر الفاطمى ومستمر الى الان فما زالت العائلات تحرص على اقتنائه لتزيين المنازل والشوارع والمتاجر ، كما أنه يمنح الأطفال بهجة ومع تطور الزمن تطورت اشكال الفانوس وألوانه وكذلك طرق صناعته والإنارة الخاصة به ، وبالعودة إلى الماضي نجد أن الفانوس كان في الأصل مصباحا، استخدمه الناس كوسيلة للإنارة خاصة عند الذهاب إلى المساجد ليلا، وبمرور الوقت تحول إلى تقليد رمضاني.

 وبدأت قصة الفانوس منذ ما يزيد عن ألف عام، عندما كان أهل القاهرة يتوقعون وصول الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ليلا في الخامس من رمضان عام 358 هجرية، حيث أمر القائد العسكري جوهر الصقلي ونائب الملك في ذلك الوقت سكان المدينة بإضاءة الطريق بالشموع، فوضع سكان القاهرة الشموع على قواعد خشبية وغطوها بالجلود، لتجنب انطفائها، ومن هنا كانت بداية ظهور الفانوس كطقس رمضاني، ودون التاريخ الإسلامى قصص كثيرة عن الفانوس وبداية ظهوره وإرتباطه بشهر رمضان الكريم ومن هذه القصص أن هناك أسر وعائلات
إعتادت مرافقة الخليفة الفاطمي في رحلته عبر المدينة، مرورا ببوابات القاهرة القديمة، باب النصر وباب الفتوح في طريقه إلى المقطم لاستطلاع هلال رمضان، خلال تلك الرحلة كان الجميع كبارا وصغارا يحملون فانوسا لإضاءة الطريق وهم يغنون احتفالا بقدوم الشهر الكريم.

 وتقول رواية أخرى إن الخليفة الفاطمي المعز لدين الله أراد إضاءة المساجد طوال شهر رمضان بالفوانيس والشموع، فأمر بتعليق فانوس على باب كل مسجد، ومن الحكايات المدونة عن تاريخ ظهور الفانوس تبقى حكاية الخليفة الحاكم بأمر الله هي الأغرب، وتقول القصة إنه في القرن العاشر الميلادي، حرم الحاكم بأمر الله خروج النساء من منازلهن طوال العام، باستثناء شهر رمضان. واستعملت الفوانيس من قبل غلام يقود النساء في طريقهن إلى المساجد، حتى يلاحظ المارة وجودهن في الطريق فيفسحوا لهن المجال للمرورفأصدر الخليفة الحاكم بأمر الله أمرًا بتركيب فوانيس في كل زقاق وأمام كل منزل، وتغريم كل من يعصي الأمر، لذلك ازدهرت صناعة الفوانيس في القاهرة بشكل ملحوظ.

يذكر المقريزي في كتابه “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار” أن الفانوس كان يوجد في مصر من قبل دخول الإسلام، وذلك منذ احتفالات أقباط مصر بعيد الميلاد، حيث يقول “وأدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وكان موسما جليلا، تباع فيه الشموع المزهرة بالأصباغ المليحة والتماثيل البديعة بأموال لا تنحصر، فلا يبقى أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى يشتري منهم لأولاده وأهله. وكانوا يسمونها الفوانيس ويعلقونها في الأسواق والحوانيت، ويتنافس الناس في المغالاة في أسعارها”.ورغم تعدد الحكايات التاريخية يبقى من الواضح أن صناعة الفوانيس بدأت في العصر الفاطمي بمصر، حيث كان هناك مجموعة من الحرفيين يصنعون الفوانيس ويخزنونها حتى حلول شهر رمضان. ويقول المقريزي إن الخليفة جمع 500 حرفي في أحياء القاهرة الفاطمية قبل شهر رمضان لصنع الفوانيس”.

وصنعت الفوانيس في البداية  من الصفيح الرخيص، ثم تطورت وأصبحت فنا حرفيا، وأصبح الفانوس يزين بالنقوش والزخارف اليدوية، وصنع من النحاس والزجاج الملون، مع قاعدة خشبية توضع فيها الشمعة. مع الوقت تطور شكل الفانوس واستخدم الزجاج المصقول مع فتحات مختلفة تغير شكل الإضاءة. وتغيرت بعد ذلك أحجام الفوانيس، وأصبحت تضاء بالفتيل والزيت بدلا من الشموع.

وحدث تطور وطفرة في صناعة الفانوس بسبب أهمية الاحتفالات والأعياد في العصر الفاطمي، والتي كانت ذات أهمية ملحوظة بالنسبة للمصريين، وقد تحول الفانوس من أداة إنارة للمنازل والمساجد والمتاجر إلى عنصر زخرفي واحتفالي ارتبط بشهر رمضان الكريم، خاصة عندما استخدمه المسحراتي ليلا أثناء مناداته للسحور، ورويدا رويدا تسرب الفانوس المصري إلى دول الجوار مثل دمشق وحلب والقدس وغزة وغيرها. بعد ذلك أصبح هناك اسم لكل فانوس، منها فانوس تاج الملك وفانوس الملك فاروق وفانوس البرلمان الذي يشبه القبة الشهيرة للبرلمان المصري ،وعلى الرغم من أن الفانوس يظهر في موسم رمضان فقط، بعدما توارت وظيفته الأصلية في الإضاءة وأصبح طقسا رمضانيا خالصا في عصرنا الحديث، إلا أن العمل في الفانوس يبقى مستمرا طوال العام، حيث يفكر المبتكرون والمصممون في أفكار جديدة وعصرية للفانوس، خاصة بعد أن انتشرت صناعته ووصلت إلى الصين. لكن تبقى القاهرة هي موطن الفانوس الأصلي، وما زالت تواصل دورها المحوري في صناعته،وتعتبر منطقة “تحت الربع” بالقرب من الأزهر الشريف هي المكان الأشهر والأكبر في صناعة الفانوس التقليدي التاريخي، ويوجد بها أكبر ورش صناعة الفوانيس التي انتقلت من جيل لآخر ويشعر زائر هذه المنطقة أنه انتقل بالزمن إلى العصر الفاطمي القديم خاصة في المساء عندما تضاء الفوانيس بإضاءات ملونة تشبه النجوم في ظلام السماء.

بقلم الدكتورة /  منار ابراهيم عرفة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى