مقالات

السحر والشعوذة من الفضائيات إلى المقابر

غادة عبد الرحمن

لقد أكدت حملة تنظيف المقابر التي تجول في قرى ونجوع العديد من المحافظات، وما نتج عنها حتى الآن من استخراج اعداد هائلة من اعمال السحر والشعوذة، على ان اللجوء لمثل هذه الأعمال لم يتوقف عند الفئات الأكثر فقرا، أو الاقل علما، كما كنا نعتقد، بل أصبحت وسيلة يستخدمها العديد من افراد المجتمع، وبمختلف فئاته، دون تفرقة بين غني، وفقير، أو متعلم، وجاهل، وهذا ما يكشف مدى جسامة الخلل الذي يعاني منه المجتمع المصري في الوازع الديني، والاخلاقي، وكذلك مستوى الرقي الثقافي.

فالشعب المصري الذي دائماً ما يوصف بأنه شعب متدين بطبعه، أصبح يعتقد العديد من أفراده بقدرة أعمال السحر والشعوذة على تحقيق الأحلام، وتبليغ الأهداف، بكل ما تنطوي عليه من خير أو شر، وذلك على الرغم من النهي الإلهي، وفي مختلف الاديان، عن اللجوء للسحر، والسحرة، وكذلك ما يعنيه اللجوء لأعمال السحر من تشكيك في قدرة الله وحده، ودون غيره، في تقرير المصائر، وتغيير الاقدار، وهذا ما ينم عن ضعف الوازع الديني لدى الكثير من المصريين، هذا بالإضافة إلي طبيعة الأشياء المخيفة، والمقززة، التي تتكون منها الكثير من أعمال السحر، تؤكد في مجملها على قسوة أصحاب تلك الأعمال، وانعدام ضمائرهم.

على جانب آخر نجد في الاعداد الهائلة من أعمال السحر المكتشفة حتى الآن، وفي أماكن متفرقة من أنحاء الجمهورية، ما يجعلنا على يقين من تفشي هذه الآفة بين أفراد المجتمع المصري، وبمختلف فئاته، بما في ذلك فئة المتعلمين، الذين يفترض أن يكون لديهم قدرا مناسباً من العلم، والثقافة، يمكنهم من الأحتكام إلى العقل، والمنطق، لكشف تلك الخرافات، وهذا ما لم يحدث مع كثير من المتعلمين، الذين قاموا بإلغاء عقولهم، وسلموا انفسهم لتلك الخزعبلات.

وعند البحث عن الأسباب التي ادت إلى انتشار أعمال السحر، والشعوذة، وبهذا الشكل المخيف، يجب أن لا نتجاهل ما تقوم به العديد من وسائل الإعلام، لاسيما القنوات الفضائية، من تخلي صريح عن دورها الرئيسي في التثقيف، والرقي الفكري، والاخلاقي، وتبنيها لدور آخر على النقيض من ذلك، يتمثل في الترويج لأعمال السحر، والشعوذة، وتقديم المشعوذين تحت مسميات عدة، كالمعالج الروحاني، وغيره من ألقاب براقة، وذلك من خلال مادة إعلانية ركيكة، تثير السخرية بقدر ما تثيره من غضب، وذلك بعد أن أصبح السحر والشعوذة من التجارات المربحة، يلهث وراءها الكثيرين، بما في ذلك بعض الجهات المنوط بها مواجهة مثل هذه الأعمال، ومن ثم تحولت العديد من الفضائيات إلى أسواق مروجة للسحر، والشعوذة، وبتالي تحولت أمور السحر والشعوذة من أعمال مذمومة دينيا، وخلقيا، يرفضها العقل، والمنطق، إلى اسلوب حياة، ووسائل مشروعة، يلجأ إليها أي شخص، دون خوف، أو خجل.

وفي النهاية يجب أن تبدأ عمليات التطهير بالأسواق المروجة للسحر، والشعوذة، أولاً، ثم تأتي المقابر، وذلك حتى تكون عمليات التطهير ذات فاعلية، وفائدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى