أخلاق التجار المسلمين أدخلت ” إندونيسيا” الإسلام بدون حرب
د.صالح العطوان الحيالي
شتان بين الامس واليوم بالامس كان التجار والرحالة قدوة ومثال يحتذى بهم لدخول الاسلام ومن الدول الكبرى التي دخلت الاسلام عن طريق التجار اندونيسيا كبرى البُلدان الإسلامية، تلك التي أطلق عليها المسعودي اسم «جزر المهراج»، أما باقي الكُتَّاب فكانوا يسمُّونها بأسماء جزرها: سومطرة، جاوة، وهكذا. وقيل: إن اسمها يتكون من مقطعين؛ وهما: «إندو» ومعناها: الهند، و»نيسيا» ومعناها الجزر. وهذا ما كانت تُشير إليه كتابات الكُتَّاب والجغرافيين دائمًا بتسميتها بجزر الهند الشرقية، كما أنها تُسمَّى أحيانًا باسم الأرض الخضراء، ومنذ القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي أصبحت تُعْرَف باسم إندونيسيا. وتُعَدُّ إندونيسيا جزءًا من أرخبيل الملايو في جنوب شرق آسيا، كما أنها الدولة التي تضمُّ أكبر مجموعة جزر في العالم؛ إذ يبلغ عددها حوالي 17508 جزر، المسكون منها حوالي 600 جزيرة.
وأما عن دخول الإسلام إندونيسيا فمن العسير تحديد تاريخ بَدْءِ دخول الإسلام إندونيسيا، وفي ذلك تقول المراجع: إن تجار المسلمين أنشأوا لأنفسهم مراكز تِجاريَّة على سواحل سومطرة وشبه جزيرة الملايو من وقت مبكِّر، ربما من أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجريَّين، الثامن والتاسع الميلاديَّين، وقد أتى أوائل التجار من جزيرة العرب من: عُمَان، وحضرموت، والساحل الجنوبي لليمن، واتخذوا مراكزهم الأُولَى على الشاطئ الغربي لسومطرة، وكانوا يسمونها سمدرة، وكانوا أهلَ سُنَّةٍ على المَذْهَب الشَّافِعِيِّ، أمَّا الهنود فقد دخلوا الجُزُر بالمَذْهَب الحَنَفِيّ، وبعد ذلك وَصَل إلى هذه الجزر تُجَّار مسلمون من الهنود ومن شبه جزيرة الكَجَرَات.
وقد كان لانتشار الإسلام أثره العميق في قيام ممالك إندونيسية متعددة في تلك الجزر، مثل مملكة «بنتام» التي أسَّسها الملك حسن الدين في جاوة الغربية، ومملكة «متارام» التي أقامها رجل عسكري يُدعى «سنافاني» في شرق جاوة؛ وبذلك أصبحت جزيرة جاوة مركز إشعاع للدِّينِ الإسلامي، وانتقل منها إلى غيرها من الجزر، وكانت هناك أيضًا مملكة «آتشيه» في شمال سومطرة، ومملكة «ديماك» في وَسَط جاوة، والتي أقامها رمضان فاطمي عام 832هـ، وكذلك مملكة «بالمبانغ» في جنوب سومطرة، وهكذا نرى أن الإسلام في مسيرته في جزر إندونيسيا قد قفز من مجموعة من الجُزُر إلى أخرى بسلام وبدون أي حرب.
الحقيقة أن جزر إندونيسيا تتمتَّع بموقع ممتاز وأهمية خاصَّة، وبموارد أَوَّلِيَّة ضخمة، وهو ما أطمع فيها الاستعمار بكل أصنافه؛ لحقدهم الصليبي الذي حمل المظهر الاقتصادي بحاجتهم إلى التوابل المرتفعة الثمن في أوروبا. وقد كانت البرتغال أُولَى الدول التي احتلَّت إندونيسيا، وقد نَشِبَتْ معاركُ شديدة بين الإندونيسيِّين من ناحية والبرتغاليِّين من ناحية أخرى، واتَّخذت تلك الحرب شكل الحروب الصليبية، وذلك نظرًا لقرب عهد البرتغاليين بمحاربة المسلمين والقضاء عليهم في الأندلس، ولقد كان من أهمِّ الدوافع التي حثَّت البرتغاليين على القيام بالحركة الكَشْفِيَّة -على رأيهم- هو ضَرْبُ اقتصاديَّات المسلمين، والسيطرة على تجارتهم، ومحاولةُ نَشْرِ النصرانية بالتعاون مع الأحباش، ولحقدهم على الإسلام استخدموا كافَّة وسائل الإرهاب والقمع الوحشي ضدَّ المسلمين، وقد توالت حملات البرتغاليِّين على هذه البلاد، ونجحوا في اتخاذ أتباعٍ ومؤيِّدين لسياستهم الاستعمارية في تلك البلاد، وكثُر وجود تجار أوروبا في إندونيسيا منذ ذلك الوقت.
وقد قاوم المسلمون في إندونيسيا الاحتلال البرتغالي، وقاموا بثورات متعدِّدة ضدَّ النصرانية، وخاصَّة بعد أن قُتِل أحد ملوك إندونيسيا غدرًا عام (978هـ= 1570م)، وهو هارون سلطان «ترنات»، والذي كانت سلطته تمتدُّ حتى الفلبين.
أما واقع إندونيسيا اليوم فإنها تعاني مشكلات متعددة، تتمثَّل في ضعف الإنتاج مقارنة بالإمكانات الطبيعية والمساحات الهائلة والأعداد الكبيرة من السكان، وكذلك ارتفاع نسبة الأمية والبطالة، حتى إن إندونيسيا، نتيجة البطالة العالية وازدياد الفقر وانخفاض مستوى المعيشة، صارت في العقود الأخيرة من أكبر المصدِّرين للعمالة البشرية الرخيصة إلى الدول الأخرى، حتى في أبسط الأعمال والمهن. وقد أغرى هذا الوضع الحركات التنصيرية في العالم، فنشطت منذ منتصف القرن العشرين للعمل الحثيث من أجل تنصير إندونيسيا، حيث تمتلك الحركات التنصيرية إمكانيات تفوق ميزانيات كثير من الدول، وقنوات تلفزيونية، وعشرات الصحف والمجلات، وقد بدأت هذه الجهود تؤتي أكلها؛ حيث انخفضت نسبة المسلمين من 97% إلى 85%، فوقع كثير من المناطق في قبضة التنصيريين، مثل نوسا تنجار الشرقية، التي أصبحت نسبة المسلمين فيها 9.12 %، وهي تتكون من 111 جزيرة أكبرها تيمور، وأغلب السكان فيها صاروا نصارى.
المصادر
حسين مؤنس .اطلس تاريخ الإسلام
محمود شاكر .التاريخ الإسلامي
فاءز صالح أبو جابر .الاستعمار في جنوب شرق آسيا
اسماعيل أحمد باغي . تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر
ابن خرداذبة .
وهناك العديد من الكتب باللغات الأجنبية