مقالات

التوقيت المثالي: أهمية الصبر والإنقضاض في فن الحرب

كتب: خالد عبدالحميد مصطفى
 
في ساحات القتال وأروقة الإستراتيجيات، يعد التوقيت أحد أهم العوامل الحاسمة في تحقيق النصر. سواء كان الصراع على جبهات الحروب العسكرية أو في ميادين الحياة اليومية، فإن معرفة متى يجب التحلي بالصبر ومتى ينبغي الإنقضاض، هو ما يصنع الفارق بين النجاح والفشل. هذه الحكمة الخالدة ليست مجرد تكتيك حربي، بل هي نهج يتردد صداه عبر الأجيال، خصوصاً في كتاب “فن الحرب” للمفكر الصيني الشهير صن تزو. نستند هنا إلى تعاليمه، ليوضح كيف يمكن للمزيج المثالي بين الصبر والإنقضاض أن يؤدي إلى تحقيق أهداف إستراتيجية بنجاح.
 
الصبر: حجر الزاوية في الإستراتيجيات الناجحة”
 
الصبر في الحرب ليس مجرد فضيلة، بل هو إستراتيجية متعمدة. في كتابه “فن الحرب”، يقول صن تزو: “إذا كانت قواتك مهيأة، فتظاهر بأنك غير مهيأ. إذا كنت قريباً من العدو، فتظاهر بأنك بعيد.” هذه النصيحة تعبر عن أهمية الإنتظار والمراقبة، بدلاً من التسرع في إتخاذ خطوات قد تؤدي إلى خسائر فادحة. إنتظار اللحظة المثالية للهجوم هو ما يميز القائد الحكيم عن غيره، فالتوقيت المناسب هو ما يتيح للخصم الإستسلام تحت الضغط.
 
الصبر يعني عدم الإنزلاق في الفخاخ العاطفية أو التكتيكية التي قد ينصبها الخصم. إنه القدرة على ضبط النفس وتحليل الوضع بموضوعية قبل إتخاذ أي قرار. كما قال صن تزو: “النصر يتحقق لأولئك الذين يعرفون متى يقاتلون ومتى لا يقاتلون.”
 
الإنقضاض: فن الهجوم عند اللحظة المناسبة”
 
على الرغم من أن الصبر أساسي في الحروب، إلا أن الإنقضاض عند اللحظة المناسبة هو ما يحسم المعركة. يقول صن تزو: “عندما تكون سريعاً مثل البرق، لا يستطيع العدو الإستعداد لمواجهتك.” الإنتظار لفترة طويلة قد يفسد الفرص، لكن إختيار اللحظة المناسبة للهجوم يعني أنك ستكون في وضع قوي يتيح لك القضاء على العدو دون إتاحة الفرصة له للرد.
 
هجوم غير متوقع أو بسرعة كبيرة يمكن أن يربك الخصم، ويجعله غير قادر على التعامل مع الوضع. وهنا تأتي القوة الحقيقية للإنقضاض في التوقيت المثالي. يعرف القائد الناجح متى يضرب ضربة قاضية، وكيف يستغل الظروف لتكون في صالحه. فعندما يتحرك القائد بسرعة، يفرض السيطرة على ساحة المعركة.
 
الدمج بين الصبر والإنقضاض: مفتاح النصر”
 
النجاح في أي حرب يعتمد على القدرة على الموازنة بين الصبر والإنقضاض. من دون الصبر، قد تندفع القوات إلى الهلاك بسبب التسرع. ومن دون الإنقضاض، قد يضيع النصر بسبب الإنتظار غير المبرر. صن تزو يقول: “النصر يتحقق لمن يعرف متى يقاتل ومتى لا يقاتل.” وهنا يكمن فن الحرب الحقيقي، في معرفة اللحظة المثالية لإتخاذ القرار.
 
الإنتظار الطويل يجب أن يكون مدروساً وليس عشوائياً، وذلك بهدف الإستعداد وإعداد الظروف المناسبة للهجوم. ومن ثم، يجب أن يكون الهجوم مفاجئاً وسريعاً ليحطم صفوف العدو في لحظة ضعف. في الحقيقة، القوة لا تأتي من العتاد أو الجنود فحسب، بل من القدرة على قراءة الوضع وتحليل الأوقات الصحيحة للهجوم أو الإنسحاب.
 
الأمثلة العملية على الصبر والإنقضاض “
 
في تاريخ الحروب، نجد العديد من الأمثلة التي تثبت صحة هذه المبادئ. خذ على سبيل المثال معركة واترلو الشهيرة، حيث انتظر دوق ويلينغتون اللحظة المناسبة للإنقضاض على قوات نابليون، بعدما أرهقها في معارك متواصلة. إستخدام الصبر لتحقيق التفوق التكتيكي كان السبب الرئيسي وراء تحقيق النصر.
 
كما يمكن الإستشهاد بالحروب الحديثة، حيث تعتمد الجيوش المتقدمة على التكنولوجيات الحديثة لمراقبة العدو وإنتظار اللحظة المثالية للهجوم، دون أن تتسرع في إتخاذ قرارات غير محسوبة.
 
في حرب أكتوبر 1973، تجلت إستراتيجية القيادة المصرية بوضوح في تطبيق فن الصبر والإنقضاض. فبعد سنوات من الصبر والتخطيط المحكم، وبعد الإستفادة من درس نكسة 1967، إنتظرت القيادة المصرية اللحظة المثالية للإنقضاض على العدو الإسرائيلي. تم إختيار التوقيت بدقة، حيث كانت إسرائيل في وضع مفاجئ وغير مستعدة، وتم إستغلال عامل المفاجأة والهجوم السريع لتحقيق إنتصارات إستراتيجية على الأرض. هذا النهج يجسد الحكمة التي تحدث عنها صن تزو في كتابه “فن الحرب” حول الإنتظار حتى يكون الخصم في أضعف حالاته قبل الإنقضاض.
 
وفيما يتعلق بملف سد النهضة الإثيوبي، إعتمدت مصر سياسة الصبر الطويل، حيث تعاملت بحنكة دبلوماسية وسياسية لإيجاد حلول سلمية للأزمة مع إثيوبيا. ورغم الصبر الذي تحلت به القاهرة على مدار السنوات الماضية، تقترب هذه القضية من نقطة حاسمة قد تستدعي تغيير الإستراتيجية. مع نفاد صبر مصر، بسبب تعنت الجانب الإثيوبي في المفاوضات، أصبح الإنقضاض في التوقيت المناسب خياراً محتملاً للحفاظ على الحقوق المائية، وهو ما يعكس التوازن الذي تحدث عنه صن تزو بين الصبر والإستعداد للتحرك الحاسم.
 
ختاماً” فن الحرب ليس مجرد تكتيك يعتمد على القوة العسكرية أو التكنولوجيا الحديثة، بل هو علم يتطلب الحكمة والصبر. في النهاية، التوقيت هو العنصر الذي يحكم ساحة المعركة. الصبر يسمح للقائد بالإستعداد وتحديد نقاط ضعف العدو، بينما الإنقضاض المفاجئ والسريع يحسم المعركة في اللحظة المناسبة. تعلمنا تعاليم صن تزو أن التوازن المثالي بين الصبر والهجوم هو ما يميز القائد الحكيم، ويحقق النصر بأقل الخسائر.
 
في الحياة، كما في الحروب، يكون الصبر والإنقضاض في الوقت المناسب هما مفتاح تحقيق الأهداف والوصول إلى النجاح المنشود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى