مقالات

روح أكتوبر والمقاومة العربية

بقلم: د. غادة محمد عبد الرحمن
يوم السادس من أكتوبر هو بالنسبة لنا أول حروف أبجدية الوطنية، الذي تعلمنا منه معنى حب الوطن، والإنتماء إليه، والتضحية من أجله بكل غالي ونفيس، وتعرفنا من خلاله على أُناساً فاقوا مرحلة البطولة، وتجاوزوا حد التضحية، فمنذ نعومة أظافرنا ويوم السادس من أكتوبر يمثل لنا مصر العظيمة، القادرة على قهر الأعداء، وتحقيق الإنتصار الساحق، بفضل ابنائها البواسل وجيشها الجبار، لدرجة اعتقدنا معها أن يوم السادس من أكتوبر هو مصر، أو أنه ملك مصر دون غيرها.
فعندما كنا صغار، كان يوم السادس من أكتوبر يتمثل لنا في الأغاني الوطنية، والأفلام التي تتناول بطولات أكتوبر العظيمة، التي كانت تجعلنا في حالة من الحب والفخر والإعجاب بوطننا العزيز، وجيشنا الشجاع، وإن كنا لم نستطيع وقتها وصف هذه الحالة، وكل ما كنا نملك قوله هو أن مصر أجمل بلد في الدنيا، وتتوالى الأيام ونلتحق بالمدرسة لنتعلم أكثر، ونجد يوم السادس من أكتوبر في ثاني صفحة في كراسة الرسم في كل عام، حيث كان حرب أكتوبر هو ثاني موضوع يُطلب منا رسمه والتعبير عنه، كم كنا نسعد ونشعر بالفخر ونحن نرسم العلم بألوانه الثلاثية المبهجة شامخاً، وحوله جنودنا البواسل يقاتلون الأعداء، ويطردوهم من أرض الأجداد.
وكبرنا، وكبر حبنا واعتزازنا بيوم السادس من أكتوبر، والانتصار العظيم، وتحول إلى وشم منقوش في الوجدان، وأصبح اسم أكتوبر بمثابة كلمة سر للشعور بالفخر، والاعتزاز، والكبرياء، وذلك رغم أننا لم نعاصر يوم النصر، ولكننا عايشناه من خلال كتب التاريخ، وشهادة شهود العيان الذين شاركوا في تحقيق النصر، وذلك حتى فجر يوم السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣م، حيث بدء عملية طوفان الأقصى، التي إعادة إنتاج حرب السادس من أكتوبر من جديد، لنراه أمام أعيننا، ونشعر به كواقع ملموس، لا مجرد سطور في كتاب، أو قصة على لسان شخص شاهدها منذ سنوات.
لقد شاهدنا ما حدث في الطلعة الجوية وأسراب الطائرات التي اجتاحت سماء الضفة الشرقية لقناة السويس، في الطائرات المظلية ووابل الصواريخ التي اجتاحت مناطق غلاف غزه، كما رأينا عبور خط بارليف، في اقتحام الجدار العازل، فقد كان العدو الصهيوني على موعد جديد مع سخرية القدر، حيث أثبتت الأيام مجدداً أن قوة جيش الاحتلال قوة وهمية، وذلك من خلال ما حدث مع الجدار العازل الذي ملأ الصهاينة الدنيا ضجيجاََ حول قوته، وعصيانه على الاختراق، لدرجة وصفه بالجدار (الذكي)، وذلك لما يحتويه من أجهزة استشعار، للكشف عن أي محاولات لاختراقه، أو الحفر أسفله، فقد قام أبطال المقاومة باقتحامه بواسطة عدد من الطائرات المظلية متواضعة الإمكانيات، وهذا ما أعاد إلى الأذهان ما حدث عام ١٩٧٣م مع خط بارليف الذي ظن الصهاينة انه أقوى من أي اقتحام، وغير قابل للتحطيم، إلا بقنبلة ذرية، فحطمه الجيش المصري العظيم بالمياه، من خلال المضخات المائية، لتنتهي بذلك أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وقد جاء طوفان الأقصى ليؤكد على ذلك.
وأخيراً، نحن ندرك جيداً الفرق بين حرب السادس من أكتوبر وعملية طوفان الأقصى، من حيث الإمكانيات والنتائج، ولكن ما نقصده هنا هو روح أكتوبر القتالية، التي يتشبث بها فرسان المقاومة في الأرض المحتلة، مؤكدين للعالم أجمع أن روح أكتوبر مازالت ساكنة في الجسد العربي، من محيطه الهادر إلى خليجه الثائر، وها هو طوفان الأقصى، الذي انضم إليه أحرار اليمن ولبنان والعراق، جاء ليؤكد أن عبور المستحيل مازال ممكناً.
 
 
 
 
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى