مقالات

عيد الهالوين يغزو الشرق

بقلم: د. غادة محمد عبد الرحمن
شهدت الآونة الأخيرة إنتشاراً ملحوظاً للعديد من العادات، والثقافات الغربية، في العديد من بلداننا العربية، لاسيما العادات المثيرة للجدل، والبعيدة كل البعد عن عاداتنا كمجتمعات شرقية، وهذا ما لا يمكن تجاهله، أو التغافل عنه، لما يمثله من خطورة على موروثنا الثقافي، والحضاري، المستمد من القيم الدينية، والأخلاقية، والعرفية، لأهل الشرق منذ القدم.
ويعد ما يعرف بعيد الهالوين أو عيد الهلع كما يسميه البعض، من أبرز العادات الغربية، التي بدأت تنتشر في العديد من الدول العربية، وعيد الهالوين هو احتفال يقام في الكثير من دول العالم الغربي في ليلة ٣١ من أكتوبر من كل عام، وذلك في ليلة العيد المسيحي الغربي المعروف بعيد جميع القديسين، وعلى الرغم من الخلفية الدينية لعيد الهالوين إلا أنه قد أصبح احتفال سياحي وتجاري في الكثير من الدول حول العالم، وذلك وفقاً للنسخة الأمريكية، والأبعد ما يكون عن الخلفية الدينية للهالوين.
هذا وقد شهدت السنوات القليلة الماضية إقامة الاحتفال بعيد الهالوين في العديد من المدن العربية، كان أبرزها، وأكثرها إثارة للجدل، مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، حيث كان موسم الرياض لعام ٢٠٢٢م البداية الفعلية للاحتفال بعيد الهالوين بالمملكة، وهذا لما تضمنه ذلك الموسم من انتشار العديد من الاشخاص الذين يرتدون ملابس وأقنعة لشخصيات هوليوود المرعبة والسحرة والاشباح، وهذا ما كان مثار جدل واستغراب في آن واحد، نظراً لما يعرف عن السعودية منذ القدم من الرفض القاطع لمثل هذه الاحتفالات غربية الطابع، بل وتجريمها في كثير من الأحيان، لتنقلب الأوضاع رأساً على عقب بين ليلة وضحاها، ويفاجأ الجميع بشخصيات الهالوين تتجول بين أرجاء مدينة الرياض، وبمنتهى الحرية، وعلى مسمع ومرأى من الجميع، هذا بالإضافة إلى العديد من الدول العربية التي أصبح الهالوين أحد مواسمها الاحتفالية، مثل مصر التي احتفلت العديد من مدنها السياحية بعيد الهالوين هذا العام.
ولا يمكن تفسير هذه الظاهرة بعيداً عن فكرة الغزو الثقافي، وما يقاتل الغرب من أجله، حيث لم يكف الغرب الاستعماري عن محاولاته المستميتة للسيطرة على بلاد الشرق، وبالأخص الدول العربية، وبكافة الأشكال، بما في ذلك إختراق عقول الشعوب، وتشويه الوعي الثقافي والديني لديها، والعمل على تفريغ هذه العقول من أية أفكار أو قيم بنّاءة مستمدة من الموروث الثقافي والحضاري العظيم لهذه الشعوب، وحشو العقول بأفكار وثقافات جوفاء، وعديمة الفائدة، التي لم يكن عيد الهالوين أولها ولن يكن أخرها، وذلك حتى تفقد هذه الشعوب أية قدرة على الابتكار والتجديد، وتصبح مجرد تابعة للغرب، ومستوردة لمنتجاته، ومستهلكة لسلعه، ومن ثم يسهل السيطرة عليها، والهيمنة على ثرواتها.
نعلم اننا سنتهم من البعض بالمبالغة، والهوس بنظرية المؤامرة، ولكنها الحقيقة التي تؤكد وجودها يوماً بعد يوم، وإلا فما علاقة عيد الهالوين أمريكي الطبع بالثقافة الشرقية، وما الفائدة من إقامته في بلادنا؟ إنها محاولة مكشوفة لأبعاد عقول الشعوب عن التراث الديني والثقافي ذو القيم الإنسانية العظيمة، والهائها بأفكار تافها، لا فائدة منها، وذلك لان هوية الشعوب الثقافية، وموروثها الديني والحضاري، هو حائط الصد الأول، والدرع الواقي الذي يحميها من الاختراق والغزو الخارجي، فالشعوب الناضجة فكرياً، ولديها وعي سليم، لا يمكن خداعها، أو التحايل عليها، ولهذا دائماً ما تلجأ قوى الاستعمار إلى تشويه الموروث الحضاري للشعوب، وتغيير هويتها الثقافية، وذلك حتى يتسنى لها السيطرة عليها واستنزاف ثرواتها.
وأخيراً، علينا حماية هويتنا الثقافية، والحضارية، والحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، أمام هذه العواصف العاتية، التي تريد إقتلاعنا من الجذور، وتفريغ عقولنا من أي فكر ذو قيمة، حتى نتحول إلى مجرد مسخ غير منتمي لأية حضارة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى