مقالات

سوريا.. ما هو المصير؟

بقلم: د. غادة محمد عبد الرحمن 

 

منذ انطلاق أحداث الأزمة السورية مع بداية عام ٢٠١١م، واتفقت الغالبية العظمى من دول العالم على تأييد الشعب السوري في المطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، كما اتفقت هذه الدول على تجريم الرئيس بشار الأسد ونظام حكمه، والعمل على إسقاطه، وتدخلت أطراف عدة في المشهد السوري لتصفية حسابات خاصة، وازدادت الأحداث تفاقماً، وتحولت التظاهرات السلمية المنادية بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، إلى حرب داخلية طاحنة، إستمرت لأكثر من ١٣ عام، دفع ثمنها الآلاف من أبناء الشعب السوري بين شهيد وجريح ومشرد، وذلك إلى ما حدث منذ أيام قليلة ماضية من سقوط نظام الحكم، وفرار الرئيس الأسد خارج البلاد.

وهذا ما أعقبه رئيس حكومة الكيان الصهيوني بإعلانه عن انهيار اتفاقية فض الاشتباك المبرمة بين سوريا والكيان الصهيوني عام ١٩٧٤م مع انهيار نظام الحكم السوري، وهذا ما يترتب عليه إلغاء بنود هذه الاتفاقية، التي من أهمها وقف إطلاق النار بين الطرفين، كما أعلن عن قراره بالاستيلاء على المنطقة العازلة التي تفصل بين هضبة الجولان المحتلة وباقي الأراضي السورية، والتي تم إنشائها بموجب اتفاقية فض الاشتباك، وهذا ما حدث بعد ساعات قليلة من سقوط النظام، حيث شن العدو الصهيوني حرب شاملة على الأراضي السورية، برياً وجوياً وبحرياً، فقد قام باجتياح الحدود والسيطرة على المنطقة العازلة وما بها من مواقع استراتيجية هامة، كقمة جبل الشيخ ذات الأهمية الكبرى على العديد من الأصعدة، فعلى الصعيد الأمني والعسكري فقمة جبل الشيخ تقع في المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان وفلسطين، وتعد من أعلى القمم في سوريا، ومن ثم تستخدم في مراقبة ورصد المناطق المحيطة بها لاسيما العاصمة السورية دمشق، أما على الصعيد الاقتصادي فتعد منطقة جبل الشيخ من المصادر الرئيسية للمياه، حيث تنبع منها عدة أنهار، هذا إلى جانب قيمة المنطقة السياحية، وقد تزامن الاجتياح البري الذي لم يتوقف حتى كتابة هذه السطور مع مئات الغارات الجوية التي شنها العدو الصهيوني على مختلف الانحاء السورية، أسفرت عن تدمير أكثر من تسعين بالمائة من السلاح السوري وبمختلف أنواعه ،لتصبح سوريا الدولة القوية، بين ليلة وضحاها، دولة منزوعة السلاح.

هذا بالإضافة إلى شبح التقسيم الذي يطارد سوريا منذ سنوات، فقد أصبح أقرب ما يكون بعد سقوط النظام، وأصبحت سوريا مهددة بالتشرذم والتمزيق بين عدد من الدويلات المتناحرة، وها هم أصحاب سيناريوهات التقسيم يتصدرون المشهد السوري بشكل علني، ليقسموا الوطن فيما بينهم، ويفتتوا الدولة الموحدة، ذات الحضارة العريقة، والتاريخ العظيم، إلى عدة دويلات صغيرة، مبنية على أسس عرقية ودينية ومذهبية.

ومن ثم أصبحت الدولة السورية في مهب الريح، تتأرجح بين احتلال صهيوني، وتفتت إلى أشلاء، وبين هذا وذاك تضيع الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وكل القيم السامية التي خرج الشعب السوري مطالباً بها، ودفع في سبيل الحصول عليها ثمناً باهظاً من دم أبنائه.

وأخيراً، لن ندافع بأي حال من الأحوال عن الرئيس الأسد أو عن أي نظام حكم يقمع شعبه ومهما كانت المبررات، ولن نحكم على ما حدث، لأن التاريخ الاصدق منا قولاً حتماً سيقول كلمته، ولكن وفي ضوء ما يجري على الأراضي السورية، والذي ينبئ بغدٍ مظلم، ترتسم ملامحه بريشة الاحتلال الصهيوني تارة ودعاة الانقسام تارة أخرى، من حقنا أن نتساءل عن سوريا المنشودة، التي تنعم بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة والأمن، أين هي من ما يحدث الآن؟ وهل سيسمح من يتولون السلطة حالياً بالتداول السلمي للسلطة وتحقيق الشعب السوري لأحلامه التي ضحى في سبيلها بكل غالٍ ونفيس؟ أم ستصبح سوريا كالمستجير من الرمضاء بالنار؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى