عربية
الناقورة في جنوب لبنان «بلدة منكوبة» بعد انسحاب القوات الاسرائيلية
محمد حسونه
في بلدة الناقورة الساحلية المطلة على البحر المتوسط والحدودية مع إسرائيل، اختفت معالم الحياة بين البيوت المدمّرة وساد السكون، فالسكان لم يتمكنوا من العودة بعد على الرغم من وقف إطلاق النار الذي أنهى حربًا عنيفة بين حزب الله والدولة العبرية.
وقبل أيام من انتهاء تطبيق شروط اتفاق وقف إطلاق النار في 26 يناير/ كانون الثاني، ينتشر الجيش اللبناني في البلدة منذ انسحاب القوات الإسرائيلية منها في 6 يناير/ كانون الثاني.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يتوجب على الجيش الإسرائيلي سحب قواته خلال 60 يومًا من جنوب لبنان، على أن يترافق ذلك مع تعزيز انتشار الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).
وفي حين انسحب الجيش الإسرائيلي من الناقورة ومن كامل مناطق القطاع الغربي لجنوب لبنان، إلا أنه لا يزال منتشرًا في مناطق أخرى، لا سيما في القطاع الشرقي.
ويمنع الجيش اللبناني السكان من دخول الناقورة حفاظًا على سلامتهم، ونادرًا ما يسمح بجولات تفقدية. وتمكّن رئيس البلدية عباس عواضة من المجيء الأربعاء ليتفقد الأضرار.
دمار
ومن أمام مبنى البلدية المتضرر، يقول عواضة لوكالة فرانس برس إن «الناقورة أصبحت بلدة منكوبة.. مقومات الحياة غير موجودة فيها»، ما يجعل إعادة البناء أمرًا بعيد المنال حتى الآن، لا سيما مع عدم توافر أي تمويل بعد. ويضيف: «نحتاج إلى ما لا يقلّ عن ثلاث سنوات لإعادة البناء».
ويتابع: «الجيش الإسرائيلي دخل البلدة بعد وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، ودمّر المنازل»، مضيفًا أنه «قبل وقف إطلاق النار كانت نسبة الدمار 35%، لكن بعد وقف النار، امتدّ الدمار إلى نسبة 90%». ويشير إلى أن الدمار حصل من خلال «التفجير اليدوي وعبر الجرافات».
قرب مقرّ اليونيفيل الواقع في البلدة، البيوت لا تزال على حالها. لكن عند التقدّم أكثر، يتكشف حجم الدمار الهائل بين البيوت المتصدّعة التي غادرها أصحابها على عجل، تاركين أثاثهم وملابسهم وكتبهم، وبين الركام، تظهر بزات عسكرية سوداء بينما تحمل جدران أحد المنازل كتابات باللغة العبرية.
أما مدرسة القرية فقد تصدّعت تمامًا، وبساتين الموز ذبلت، وبقيت ثمار الليمون على الأشجار، لم يجنها أحد، وتطغى رائحة زهورها على رائحة الموت.
وموجب اتفاق وقف إطلاق النار، يتوجّب على حزب الله سحب عناصره وتجهيزاته والتراجع إلى شمال نهر الليطاني الذي يبعد حوالي 30 كيلومترًا عن الحدود، وأن يقوم بتفكيك أي بنية تحتية عسكرية متبقية في الجنوب. ويتبادل الطرفان الاتهامات بانتهاك الاتفاق.
ورداً على سؤال من فرانس برس، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن «قواته ملتزمة بالتفاهمات الواردة في اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان».
وأضاف أنها «تعمل على إزالة التهديدات التي تواجه دولة إسرائيل ومواطنيها، بما يتوافق تمامًا مع القانون الدولي».
في الطريق من مدينة صور إلى الناقورة، تنتشر أعلام حزب الله، لكن لا وجود لعناصره. وتسيّر اليونيفيل دوريات، بينما وضع الجيش اللبناني نقاط تفتيش.
وفي النقطة الأخيرة للجيش قبل الطريق المؤدي إلى الناقورة، يمنع دخول أي سيارة مدنية غير مصرح لها بالعبور، إلا أن محاولات السكان اليومية لا تتوقف.
عند عبور النقطة، تختفي حركة السير وأعلام حزب الله، ويسود هدوء تام على الطريق الساحلي.
لم نعد نحتمل
وعلى بعد حوالي 20 كيلومترًا من الناقورة، تنتظر فاطمة يزبك (61 عامًا) بفارغ الصبر العودة إلى بلدتها. وتقول المرأة من مركز إيواء للنازحين في مدينة صور: «خرجت من القرية في بداية الأحداث»، أي قبل أكثر من عام. وتضيف: «منذ ذلك الحين، لم أزرها، ولا أعرف ما فيها».
وتتذكر الحزن الذي راودها عندما شاهدت صورًا لمنزلها المدمّر. وتقول: «هذا البيت ربيت فيه أولادي.. فيه ذكريات جميلة جدًا.. البيت لا يعني لي شيئًا بل الذكريات التي يحملها.. صور أولادي وصور زوجي المتوفي».
مثلها يترقب علي مهدي (45 عامًا) النازح أيضًا من الناقورة إلى صور حيث يعمل متطوعًا في مركز إيواء. ويقول إن منزله دمّر بعد سريان الهدنة عند دخول القوات الإسرائيلية إلى البلدة. ويضيف الرجل: «كان بيتي متضررًا من الخارج فقط، كان بإمكاني أن أعود وأرممه وأعيش فيه، لكن بعد الهدنة دخل الإسرائيليون وتمادوا في جرف البساتين وجرف الطرقات بتخريب وتكسير البيوت».
وإلى حين اتضاح معالم المستقبل، ينتظر مصطفى السيد (54 عامًا) مع زوجته وأطفاله من داخل غرفة مركز إيواء في صور منذ أكثر من عام، موعد العودة أيضًا إلى قريته بيت ليف. ويسأل الرجل: «كل عشرين عامًا سنحمل عائلاتنا ونهرب؟ نريد حلاً نهائيًا، نريد أن ننتهي من الحروب، لم نعد نحتمل، هل يعقل أن يعيش الإنسان حروبًا كل حياته ويحمل ثياب أولاده ويرحل؟».