كتب : خالد عبد الحميد مصطفي
لطالما رُسمت صورة الولايات المتحدة الأمريكية أمام العالم كـ”حامية الديمقراطية” و”راعية حقوق الإنسان”، وكُرّست وسائل الإعلام العالمية، لعقود طويلة، هذه الرواية التي صوّرت أمريكا كمنارة للحرية والسلم العالمي. إلا أن هذه الصورة بدأت تتهاوى شيئاً فشيئاً، وصولًا إلى مرحلة الإنهيار السريع في ظل قيادة دونالد ترامب – أو كما يحلو للبعض أن يسميه “تور امب” – الذي بمواقفه المتهورة وتصريحاته النارية وسياساته المنحازة، قاد أمريكا في وقت قياسي نحو عزلة غير مسبوقة، وساهم في تغيير نظرة العالم جذرياً تجاهها، لتغدو مصدراً للعداء والفتنة بدلاً من أن تكون رمزاً للأمل والسلام.
دعم المجازر الصهيونية… ذروة السقوط الأخلاقي”
كانت ذروة السقوط الأخلاقي للولايات المتحدة واضحة عندما قدّمت دعمها الكامل وغير المشروط للجرائم الصهيونية في فلسطين. لم تعد الولايات المتحدة تتخفى خلف شعارات براقة أو بيانات دبلوماسية؛ بل وقفت علناً مع القتلة ضد الضحايا، ومع الإحتلال ضد أصحاب الأرض والشعب والتاريخ. تحت إدارة ترامب، نقلت السفارة الأمريكية إلى القدس، وإعترفت بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، وضغطت لإقرار ما يسمى بـ”صفقة القرن”، التي لم تكن سوى تصفية للقضية الفلسطينية.
هذه السياسات لم تمر مرور الكرام. العالم، الذي كان يُصغي من قبل لواشنطن، بدأ يرفع صوته بالرفض والإدانة. دول أوروبا، التي لطالما كانت حليفة، باتت أكثر تحفظاً تجاه قرارات أمريكا. الدول الإسلامية والعربية، حتى الحليفة منها تقليدياً، عبّرت عن غضبها. بل وبدأ يتكوَّن شعور عالمي بأن الولايات المتحدة لم تعد شريكاً في السلام، بل أصبحت طرفاً مباشراً في تغذية الحروب والصراعات.
ترامب… من رجل أعمال إلى معول هدم لإمبراطورية”
لم يكن ترامب مجرد رئيس عادي، بل كان ظاهرة سياسية مدمرة. جاء من خلفية تجارية لا تعرف الدبلوماسية ولا تحترم الأعراف الدولية. تصرف بعنجهية واضحة، أهان الحلفاء، وإحتقر الإتفاقيات الدولية، وإنسحب من معاهدات مهمة (مثل إتفاقية باريس للمناخ والإتفاق النووي الإيراني)، فرض عقوبات إقتصادية عشوائية على كل من يخالفه، وهاجم مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان.
تصريحاته المتكررة، المليئة بالعنصرية والكراهية والتحريض، كشفت عن جوهره الحقيقي، وجعلت حتى داخل الولايات المتحدة حالة من الغليان والإنقسام الداخلي الذي لم تشهده منذ الحرب الأهلية. في عهده، إشتعلت التظاهرات ضد العنصرية، وإرتفعت أصوات الأمريكيين أنفسهم تطالب بإسقاط النظام العنصري الذي جسده ترامب.
العزلة الأمريكية… بداية النهاية”
بوجود ترامب، أصبحت أمريكا أكثر عزلة من أي وقت مضى. حلفاؤها الأوروبيون أصبحوا يتحدثون عن ضرورة بناء منظومة دفاعية مستقلة عن الناتو الذي تسيطر عليه أمريكا. الصين وروسيا وجدت في الفوضى الأمريكية فرصة لتوسيع نفوذهما، بينما بدأت دول الجنوب العالمي (أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا) تبحث عن تحالفات جديدة بعيداً عن واشنطن.
لم يعد أحد يرى في أمريكا نموذجاً يُحتذى به، بل تحولت إلى مثال على الإنحطاط السياسي والأخلاقي. ومع إستمرار ترامب على رأس السلطة، تزايدت الدعوات العالمية لإنشاء نظام دولي جديد، أكثر عدلًا وتوازناً، لا يكون للولايات المتحدة فيه ذلك الدور المهيمن.
نحو تحالف عالمي للقضاء على السرطان الأمريكي المتحور”
إستمرار ترامب، أو من يشبهه في الحكم، يعني بلا شك التعجيل بتشكيل تحالف دولي واسع النطاق، ليس فقط لموازنة النفوذ الأمريكي، بل للقضاء على هيمنة هذا السرطان المستجد الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين. ستكون هذه التحالفات مدفوعة بالشعور بالخطر المشترك من سياسات أمريكا المتهورة، وبالرغبة العارمة في بناء عالم متعدد الأقطاب أكثر عدلًا وإنصافاً.
من الإتحاد الأوروبي، إلى روسيا والصين، إلى العالم الإسلامي وأمريكا اللاتينية، تتبلور إرادة عالمية جديدة، تستهدف كسر الهيمنة الأمريكية وإعادة بناء نظام دولي يُحترم فيه القانون الدولي، وتصان فيه حقوق الإنسان فعلًا، لا قولًا.
ختاماً” ما نشهده اليوم هو بداية النهاية للإمبراطورية الأمريكية، ليس على يد قوة خارجية، بل على يد من جلس على عرشها متباهياً بجهله وغروره: تور امب. لقد حطم ترامب الصورة المزيفة التي بنتها أمريكا لنفسها، وأسقط القناع عن وجهها الحقيقي، لتنكشف كدولة تنحاز للظلم وتقف ضد قيم العدالة والإنسانية.
وفي ظل هذا التدهور السريع، تبدو مسألة سقوط الهيمنة الأمريكية مسألة وقت لا أكثر، مدفوعة بغضب عالمي متزايد، وتحالفات دولية ناشئة مصممة على إجتثاث هذا الخطر من جذوره، وصياغة مستقبل عالمي جديد أكثر إشراقاً، بعيداً عن الإستبداد الأمريكي.
أقرأ التالي
2025-04-29
الأوقاف في الإسلام واشراقاتها الحضارية ” اوقاف النساء “
2025-04-29
فندق Triumph Plaza Hotel بمصر الجديدة يفتح أبوابه لاستقبال النسخة الرابعة من مؤتمر EPSF Conference
2025-04-28
نفوس وأرواح مهشمة
2025-04-26
توجيهات عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عامله أبي موسى الأشعري في القضاء
2025-04-25
سيناء..الماضي والحاضر والمستقبل
2025-04-24
رسالة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لعامَّة المسلمين في مصر عند استخلافه
2025-04-24
لجنة للدراما بتوجيه رئاسي “80 باكو” والحياء
2025-04-23
مشيرة موسى تكتب ” ملهاش إعادة .. عيشها بسعادة “
2025-04-23
شمسيه لكل زائر اثناء زيارة الهرم
2025-04-23
الرئيس التنفيذي
زر الذهاب إلى الأعلى