متابعه : جهاد بكر كيلانى
مع إقتراب اليوم الدولي لحفظة السلام تتجه أنظار العالم نحو الأطراف الفاعلة التي تضع السلام والأمن في قلب إستراتيجياتها، وتكرّس مواردها وإمكاناتها لخدمة البشرية جمعاء. وفي خضم التحديات العالمية المتصاعدة في مختلف أنحاء العالم تبرز الصين كجهة فاعلة مهمة تتحمّل مسؤولياتها الأممية بأمانة وتقدم نموذجا متفرّدًا يجمع بين الحكمة العملية، والرؤية الإنسانية، والالتزام العميق بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
اليوم، تُعد الصين أكبر مساهم بقوات حفظ سلام بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن. فمنذ أول مشاركة للجيش الصيني في مهام حفظ السلام قبل 35 عاما، انخرط في 25 مهمة لحفظ السلام، وأرسل أكثر من 50 ألف فرد من قوات حفظ السلام إلى أكثر من 20 دولة ومنطقة.
كما تُعد الصين ثاني أكبر مساهم في ميزانية عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، إذ تتحمل أكثر من 15 في المائة من إجمالي الميزانية. وهذا يؤكد التزام بكين بتحمل مسؤولياتها الدولية من خلال الشراكة لا الهيمنة.
وعلاوة على ذلك، تعاونت الصين مع الأمم المتحدة في إنشاء صندوق الأمم المتحدة الاستئماني للسلام والتنمية. وقد دعم هذا الصندوق منذ إنشائه مشاريع وأنشطة في مختلف أرجاء العالم، تغطى مجالات منها منع نشوب الصراعات وبذل جهود الوساطة، وحفظ السلام وبنائه، ومكافحة الإرهاب، ودعم السلام والأمن في أفريقيا.
كما يتجلى سلوك الصين كفاعل مسؤول على الساحة الدولية في تعاملها مع الأزمات العالمية المختلفة. ففيما يتعلق بالصراع بين إسرائيل وحماس، دعت الصين إلى وقف فوري لإطلاق النار، وحثّت على العودة إلى حل الدولتين، مقدّمة مساعدات إنسانية عاجلة تعكس تضامنا صادقا مع الشعب الفلسطيني.
أما فيما يخص الوضع في السودان، فقد دعت الصين طرفي الصراع إلى وقف الأعمال العدائية، وتهدئة الوضع على الأرض، وأكدت مجددا دعمها لسيادة البلاد ووحدتها وسلامة أراضيها.
وتعبّر هذه المواقف عن مدرسة فكرية صينية تُؤمن بأن النزاعات لا تُحل بالضغط، بل بالحوار؛ لا بالإقصاء، بل بالشمول؛ وهي فلسفة تجذّرت عبر تاريخ طويل من التفاعل السلمي بين الشعوب.
وتواصل الصين التزامها بالعمل ضمن إطار الأمم المتحدة، حريصة على التعددية والشراكة المتكافئة وعدم تسييس جهود السلام. هذا الاختيار يعكس تصميم الصين على أن تكون قوة استقرار لا قوة نزاع، وشريكا موثوقا في صون الأمن الدولي.
لم تقتصر جهود الصين على الإسهام في قوات حفظ السلام بل إمتدت إلى ممارسة دبلوماسية نشطة ومتّزنة تسعى إلى رأب الصدع وبناء الثقة بين الأطراف المتنازعة. ففي مارس 2023، وبمبادرة صينية نالت تقديرا عالميا، نجحت بكين في التوسط بين المملكة العربية السعودية وإيران، مما أدى إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة إستمرت لفترة طويلة. وقد عُدّ هذا الاتفاق شاهدًا حيًّا على قدرة الصين على لعب دور الوسيط النزيه الذي يضع الاستقرار الإقليمي فوق الحسابات الضيقة.
ففي الملف الفلسطيني دعت الصين مرارا إلى وحدة الصف بين الفصائل الفلسطينية، وأستضافت محادثات للمصالحة في تأكيد على التزامها التاريخي بحقوق الشعب الفلسطيني. وتحت وساطة الصين، وقع ممثلو 14 فصيلا فلسطينيا في يوليو 2024 إعلانا حول إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية.
أما فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، فقد تبنّت الصين موقفا عقلانيا مستقلا يدعو إلى وقف إطلاق النار الفوري، واحترام سيادة الدول، والعودة إلى طاولة المفاوضات. وفي فبراير 2023، طرحت بكين مقترحا من 12 نقطة، شددت فيه على رفض إستخدام الأسلحة النوويةومعارضة العقوبات الأحادية، ودعم الحلول السياسية للأزمة.
تُشكّل هذه المبادرات الثلاث رغم اختلاف ساحاتها تعبيرا عن جوهر الفكر السياسي الصيني: بناء عالم يسوده التعايش السلمي والاحترام المتبادل والتعددية العادلة.
في اليوم الدولي لحفظة السلام يبرز النموذج الصيني كصوت عقلاني في عالم مضطرب يجمع بين القوة والانضباط، بين التنمية والسلام، وبين المبادئ والعمل. إنه نموذج يقوم على العمل الملموس لا الشعارات، وعلى بناء الشراكات لا فرض الأجندات، وعلى تحقيق التوازن بين احترام الخصوصيات الوطنية والتعاون الدولي.
إن الصين بالبناء على تراثها التاريخي الغني وحكمتها السياسية المعاصرةتقدم صورة مشرقة لدولة كبرى تضع التنمية في قلب الأمن وتناصر التعددية باعتبارها الأساس الوطيد للنظام الدولي وفي زمن تزداد فيه الحاجة إلى التماسك العالمي تبدو الصين بحق ركيزة لا غنى عنها من ركائز السلام والاستقرار الدوليين.
أقرأ التالي
2025-05-19
باكستان والهند تردان على “انتهاء وقف إطلاق النار” .. غير محدد بمدة زمنية
2025-05-19
طهران تستدعي دبلوماسيا بريطانيا بعد “أزمة الاعتقالات”
2025-05-19
إذاعة جيش إسرائيل: الأمم المتحدة هي من ستشرف على إدخال المساعدات لغزة اليوم
2025-05-19
خوف إسرائيلي من العقوبات.. وزير خارجية الاحتلال يكشف سبب إدخال المساعدات إلى غزة
2025-05-19
نتنياهو: الرئيس الأمريكي يمارس ضغطا قويا لإدخال المساعدات إلى غزة
2025-05-18
المجر: لا ينبغي قبول أوكرانيا في الاتحاد الأوربي لأنها دولة أكثر فسادا في أوروبا
2025-05-18
قوات الاحتلال تطالب بإخلاء عدد من المناطق في غزة
2025-05-18
قوات الاحتلال تزعم: العمليات في غزة هدفها إعادة حماس إلى طاولة المفاوضات
2025-05-18
وزير خارجية إيران: لا سلام دون حل القضية الفلسطينية
2025-05-18
إعلام عبري: اجتماع إسرائيلي حاسم بشأن صفقة الأسرى
زر الذهاب إلى الأعلى