بقلم : خالدعبدالحميدمصطفى
فايدة كامل.. النائبة التي خلدها الشارع قبل البرلمان”
فايدة كامل، واحدة من أبرز الشخصيات النسائية في الحياة السياسية المصرية خلال القرن العشرين. وُلدت عام 1932 في القاهرة، وبدأت حياتها كمطربة وطنية، ثم تحولت إلى العمل البرلماني، حيث صنعت تاريخاً إستثنائياً داخل مجلس الشعب المصري، إستمر على مدار 34 عاماً كاملة، من عام 1971 وحتى عام 2005، وكانت نائبة عن دائرة دار السلام والخليفة في القاهرة.
إشتهرت فايدة كامل بلقب “نائبة الخدمات”، نظراً لما قدمته من جهود ملموسة لأهالي منطقتها، خاصة في دار السلام التي ما زالت تحتفظ بإسمها في أحد أحيائها، اعترافاً وامتناناً بما قدمته من مشروعات تنموية وخدمية جعلت لها مكانة لا تمحى في ذاكرة السكان.
عملت فايدة على تطوير البنية التحتية في الدائرة، فساهمت في رصف الطرق، وإنشاء شبكات الصرف الصحي ومياه الشرب، كما أسهمت في بناء العديد من المدارس، ومراكز الشباب، والمستشفيات، والمستوصفات. لم تكن نائبة مكتفية بالتصريحات تحت قبة البرلمان، بل كانت تتابع بنفسها إحتياجات المواطنين، وتقدم مساعدات مباشرة للفقراء والأرامل، وتسعى لتوفير فرص عمل من خلال علاقاتها بالوزارات والمؤسسات الرسمية.
على الصعيد التشريعي، كان لها دور مهم في دعم حقوق المرأة، حيث ساهمت في مناقشة وإقرار عدد من القوانين المهمة، أبرزها قانون الخلع، وقانون منح الجنسية لأبناء المرأة المصرية المتزوجة من أجنبي. كذلك عُرفت بمواقفها الصلبة في الدفاع عن المرأة العاملة والطبقات المتوسطة، حيث طالبت مراراً بتحسين أجور المعلمين والعاملين بالدولة، ودعت إلى توسيع المشاركة السياسية للنساء.
ترأست فايدة كامل لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشعب في أكثر من دورة، وطرحت مشروعات قوانين لحفظ التراث السينمائي المصري، باعتباره جزءاً من الهوية الوطنية. كانت تؤمن بقوة مصر الناعمة، ودافعت عن حرية الإبداع، وإستمرار الدعم للفن والفنانين.
سياسياً ” ، إتسمت مواقفها بالثبات، إذ أيّدت مبادرة الرئيس أنور السادات للسلام مع إسرائيل، في وقت كان هذا الموقف يتطلب شجاعة سياسية. ووقفت دوماً في صف الدولة، مدافعة عن سيادتها وإستقرارها في أوقات الأزمات، مستخدمة في ذلك خبرتها السياسية وصوتها القوي داخل البرلمان.
فايدة كامل لم تكن مجرد نائبة أو فنانة، بل كانت نموذجاً متفرداً للمرأة المصرية التي جمعت بين التأثير الشعبي، والتألق الوطني، والإنجاز التشريعي والخدمي، حتى أصبحت أول امرأة في العالم تسجل أطول فترة عضوية متصلة في برلمان بلدها، ودخلت بذلك موسوعة “جينيس” العالمية.
رحلت عن عالمنا في 21 أكتوبر عام 2011، لكنها لم ترحل من ذاكرة دار السلام، ولا من ذاكرة العمل البرلماني المصري، إذ ما زال إسمها محفوراً على لافتات الشوارع، وفي قلوب من خدمَتهم بإخلاص، وشهدوا على نُبلها السياسي والإنساني.
هكذا تكون سيرة ووجود البرلماني المُخلص، تظهر من خلال مسيرته وعمله وإخلاصه وحبه وغيرته على أهل دائرته..
ختاماً” لقد أثبتت فايدة كامل أن النائب البرلماني لا يُخلَّد بلقبٍ أو مقعد، بل يُخلِّد إسمه في وجدان الناس بما يزرعه من أثر، وما يقدمه من عمل مخلص نابع من حب حقيقي لأهل دائرته. لقد حفرت إسمها في ذاكرة دار السلام، لا بشعارات ولا بوعود، بل بواقع عاشه الناس ولامسوه في طرقاتهم، ومدارسهم، ومستشفياتهم، وفي صوتٍ لا يُنسى تحت قبة البرلمان.
النائب الصادق لا ينتظر التكريم الرسمي، لأنه يكتب تاريخه في قلوب الناس قبل دفاتر المجالس. وهكذا كانت فايدة كامل: نائبة بحجم وطن، خلدها الإخلاص، ورفعها الوفاء، وستبقى نموذجاً يُحتذى لكل من أراد أن يخدم لا أن يُخدَم، ويمنح لا أن يأخذ، وي
ترك خلفه سيرة لا تُنسى .
أقرأ التالي
2025-05-29
مشيرة موسى تكتب … ” اوعى تتأخر “
2025-05-26
الأضحية.. شعيرة دينية تُجسّد قيم الرحمة والتكافل الاجتماعي
2025-05-26
الملك رمسيس الثاني يوحد متحفي الشمال والجنوب
2025-05-22
مشيرة موسى تكتب ” المال لا يصنع الرجال “
2025-05-21
مقتطفات من روائع رسائل الخلفاء الراشدين
2025-05-20
كنا جبالا لا تهزها العواصف
2025-05-20
الدكتور محمود سليم : طبيب مثالى ومتميز ويصنع الفارق بجامعه طنطا
2025-05-18
عندما تتحدث مصر قلب العروبة النابض يجب أن يلتزم الجميع الصمت
2025-05-18
عندما كنا أمة”حقائق من فتوحات الشام”
2025-05-17
قمة بغداد.. هل تصبح محطة لإحياء القرار العربي وتوحيد الصف؟
زر الذهاب إلى الأعلى