مقالات

“نظرية الخيمرية المجهرية”حين يسكن الأبناء أجساد الأمهات

بقلم: د. عبير عاطف
في وقتٍ نُحمّل فيه الأمهات الكثير من المسؤوليات، ويبدو أن التعب قد استوطن ملامحهن، يكشف لنا العلم عن حقيقة مذهلة تعيد صياغة الأمومة بلغة مختلفة. ليست عاطفية فقط، ولا وجدانية وحسب، بل بيولوجية دقيقة تقول إن:
“الأم لا تترك أبناءها… ولا هم يتركونها.”
في قلب الأم، في دماغها، في كبدها ورئتيها، تعيش خلايا من طفلها… حرفيًا.
ما هي نظرية الخيمرية المجهرية؟
تُعرف هذه الظاهرة علميًا بـMicrochimerism أو “الخيمرية المجهرية”، وهي ظاهرة بيولوجية تحدث أثناء الحمل، حيث تعبر خلايا الجنين – وتحديدًا الخلايا الجذعية – من المشيمة إلى جسم الأم.
هذه الخلايا: تستقر في أعضاء متعددة من جسد الأم (الدماغ، القلب، الكبد، الرئتين).
تظل حية ونشطة في جسمها لسنوات طويلة بعد الولادة.
تتفاعل مع جسد الأم إذا أصيب بأذى أو مرض، وتحاول إصلاحه.
ليست مجرد بقايا حمل، بل كتيبة دفاع خفية… من الطفل إلى أمه.
ما الذي أثبتته الدراسات؟
أثبتت دراسة منشورة في مجلة Scientific American عام 2012، أن أجنة الذكور – على سبيل المثال – تترك خلاياها الجذعية داخل أدمغة الأمهات، حتى بعد عقود من ولادتهم.
كما كشفت أبحاث منشورة في Nature Reviews Genetics (2020) أن هذه الخلايا تهاجر نحو أماكن الالتهاب أو التلف في جسد الأم، وتساعد في التئام الجروح أو دعم جهاز المناعة. اى .. حين تمرض الأم، قد يشفى جسدها بفضل خلايا ابنها التي تسكنها… ليحميها.
لماذا هذا الكشف مهم؟
لأنه يُثبت علميًا أن الرابط بين الأم والابن لا ينقطع بعد الولادة.
ويشرح بطريقة بيولوجية لماذا تشعر الأم بوجع ابنها وكأنه في داخلها – لأنه قد يكون كذلك حرفيًا.
ويضع أساسًا علميًا لفكرة:
أن الطفل لا ينفصل عن أمه… بل يبقى فيها، ويساعدها عندما تحتاج.
لماذا نتناول هذه الدراسة هنا حتى نوضح ..الأم المنهكة… التي تستحق أن تُحتضن
كم من أم تُكمل يومها ببطارية عاطفية صفراء؟
كم من امرأة تتحول تدريجيًا إلى جسد يعمل دون راحة، عقل مشغول دائمًا، وقلب يتآكل في صمت؟
الأم المنهكة ليست شخصية درامية، بل واقع يومي. إنها تلك التي:
تؤدي مهامها رغم التعب.
تبكي بصمت كي لا تُضعف أبناءها.
تفتقر للاحتواء، لكنها لا تطلبه.
هي التي نسينا أن وراء كل “قوة أمومية”، طفلة صغيرة ما زالت تبحث عن الأمان.
وحان الوقت لردّ الجميل…
هنا يصبح للعلم وجه إنساني.
فكما تسكن خلايا الأبناء أجساد أمهاتهم لترميمها…
ربما حان الوقت أن:
يسكن الامتنان قلوب الأبناء تجاه أمهاتهم.
ندرك أن أقوى من أحبّنا، قد تكون الأضعف حاليًا.
نُعطي الأمان، لمن كانت تمنحه بلا مقابل.
الأم ليست خالدة… لكنها محمية جزئيًا بأثر أبنائها في جسدها.
فهل نحميها نحن؟ هل نحترم هذا الضعف الإنساني الجميل؟
هل نردّ الجميل… كما تفعل خلايانا داخلها؟
نظرية “الخيمرية المجهرية” تقول إن بعض خلايا الطفل تعيش في جسد أمه لعقود، وتساعدها عند الحاجة.
لكن الأجمل من ذلك أن نفهم:
أن هذه معجزة الحب البيولوجي لا تكفي وحدها، إن لم يرافقها وعي إنساني من الأبناء بأن أمهاتهم بشر… تعبوا كثيرًا، وحان الوقت ليرتاحوا قليلًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى