مقالات

مناطق الظل بين الزوجين

بقلم د.عبير عاطف
المستشار الأسري
في العلاقات الزوجية، لا يختبئ الخطر دائمًا في الخيانة أو الصراخ أو العنف. أحيانًا، يكون الصمت هو القاتل البطيء.
يعيش الزوجان تحت سقف واحد، لكن كلٌ منهما يخفي في قلبه ما لا يجرؤ على قوله. هكذا تتكوّن ما يُعرف بـ”مناطق الظل”:
مساحات صامتة من مشاعر مؤجّلة، احتياجات غير معلنة، وأسئلة لم تجد إجابة، لكنها تستنزف العلاقة وتُضعف تماسكها دون أن تُحدث صوتًا.
مناطق الظل لا تُرى، لكنها تؤلم. لا تُقال، لكنها تصنع شرخًا خفيًا يتسع كلما طال الصمت.
ما هي مناطق الظل؟
هي تلك الزوايا الصامتة في العلاقة، التي يتجنبها الطرفان خوفًا من الخلاف أو الإحراج أو الرفض.
تضم مشاعر غير معترف بها، مثل: الإهمال، الملل، الخذلان، الغيرة، فقدان التقدير…
كما تشمل مواضيع مسكوت عنها مثل: المال، العلاقة الحميمة، الذكريات المؤلمة، الاختلافات العميقة في التربية أو المبادئ.
ليست “أسرارًا” بالضرورة، لكنها أمور لا تجد بيئة آمنة للظهور، فتبقى في الظل.
كيف تتكوّن؟
عندما يُقابل البوح بالسخرية، أو يُقابل الضعف باللوم.
عندما يخاف أحد الطرفين من فتح قلبه لأنه تعلّم أن الصمت أأمن.
عندما يُهمَّش التعبير، أو تُرفض محاولات القرب، أو يتكرر الخذلان.
كل موقف صامت يترك خلفه طوبة صغيرة في جدار غير مرئي… حتى يعلو بين الزوجين جدار لا صوت له، لكنه حاضر.
هل يمكن أن تخلو العلاقة من هذه المناطق؟ في الحقيقة، لا.
فوجود مناطق ظل بين الزوجين لا يعني فشل العلاقة، بل يعكس طبيعة بشرية.
لكل إنسان جانب داخلي خاص، لا يُقال بسهولة ولا يُفتح لكل أحد.
لكن الفارق في العلاقات الناضجة هو الوعي بها، والقدرة على احترامها دون تركها تنمو وحدها في الظلام.
الحب لا يعني الانصهار، بل احترام المسافة الشخصية، والاعتراف أن لكل طرف في العلاقة حدودًا داخلية يجب أن تُحترم، لا أن تُلغى.
كيف نتعرّف على مناطق الظل ونحترمها؟
بالإنصات لا المقاطعة:
لا تقاطع شريكك عندما يقرر أخيرًا الحديث عن شيء ألمه يومًا.
بالسؤال المهذّب لا الفضولي:
اسأل بلطف عمّا يشعر به، لا لتحقيق معرفة بل لفهم أعمق.
بالتدرّج في الاقتراب لا الاقتحام:
لا تفتح كل الأبواب دفعة واحدة. بعضها يحتاج وقتًا، وثقة، وطمأنينة.
بإدراك أن الحب الناضج لا يُقاس بما نعرف عن الآخر، بل بقدرتنا على احترام ما لا يريد قوله بعد.
متى تصبح هذه المناطق خطرًا؟
عندما تتحوّل من مساحة مؤقتة إلى جدار دائم.
عندما يصمت كل طرف طويلًا حتى يعتاد الوحدة العاطفية.
عندما لا يجد أحدهما مساحة للتعبير، فينسحب داخليًا دون وداع.
هنا، تصبح العلاقة كيانًا بلا روح، وبيتًا لا يُدفئه الحوار، مهما بدا مستقرًا من الخارج.
كيف نضيء هذه الزوايا؟
بخلق مساحة حوار آمن لا يُستخدم لاحقًا ضد الطرف الآخر.
بالتقبّل لا النقد.
بالحب الهادئ، لا بالضغط.
بإدراك أن الأمان النفسي لا يُصنع بالكلام فقط، بل بطريقة الاستماع.
اخيرا .العلاقات لا تفشل لأننا نختلف، بل لأننا نتوقّف عن الاستماع لبعضنا.
مناطق الظل ليست خطأ في العلاقة، بل تنبيه لضرورة إعادة الإنارة.
فدعونا لا نخاف من الصراحة، ولا نُدمن الصمت.
فالزواج ليس انصهارًا، بل مجاورة بين قلبين… لكل منهما نوره وظله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى