مقالات

فضيلة الشيخ” د/ حاتم جاد ” و تحليل أساليب الخطاب القرأنى

يقول فضيلة الشيخ د/ حاتم جاد إمام وخطيب اول بوزارة الأوقاف أن مَن تأمَّلَ الخطابَ القرآنية في أسلوبه وبلاغته، وفي تصريفه وتنويعه، استبانَ له وجهٌ بديعٌ مِن أَوجُه الإعجازِ القرآنيِّ، وخَصِيصَةٌ مِن خصائصه الأكيدة، وبيانُ ذلك في شمولية الخطاب القرآني لجميع أصناف المخاطَبين، على اختلاف أجناسهم، وأمْكِنَتِهم، ومِلَلِهم.
وهذا فارقٌ بديع في نوعيَّة الخطاب القرآني البليغ مِن غيره مِن سائر الخطابات، حيث إنَّنا إذا نظرنا إلى الخطاب البشري مهما بلغ مِن بلاغتِه وروعتِه، وبيانِه وفصاحتِه، فإنَّه لا يُعنَى بجميع الجوانب الإنسانية في ندائِه، مِن حيث مخاطَبتُه للعقل والعاطفة معًا، أو مخاطَبتِه للعامَّة والخاصَّة كذلك، بل إنَّه ربَّما يُعنَى بِجانب على حساب جانب آخر، ولا يُقيم الميزانَ الحقَّ بيْنهما، ومِن ثمَّ فهو خطاب بشري يعتريه النقص والخطأ، ولا يصِل إلى ذروة الكمال أبدًا مهْما أوتي صاحبُه مِن الفصاحة والبيان.

 

وان الخطاب القرآني حينما نتدبَّر ونستقْرئ آياتِ القرآن، نرى أنَّه في نداءاته وتوجيهاته يتَّسِمُ بالشمول؛ حيث إنَّه لم يجعل نداءه إلى فئةٍ دون فئة، أو جنسٍ دون جنس، أو أهل دينٍ دون غيرهم.

 

بل شمل ذلك الخطابُ أصنافَ العالمين مِن المخاطَبِين على تنوُّع أجناسهم وألسنتهم وأديانهم التي يَدينون بها.

 

فقد خاطب اللهُ سبحانه النَّاسَ بصيغة العموم في بعض آيات القرآن، وخاطب الأنبياء والمرسلين عليهم السلام في بعض آخر، وخاطبَ أصنافَ النَّاس مِن المؤمنين والكفَّار والمشركين، وأشار إلى المنافقين في آيات أخرى، وهذا الأمر يُعْلَم بالتتبُّع والاستقراء لآيات القرآن الكريم.

 

ويقول فضيلته أنه إذا تأمَّلنا بدقَّةٍ الجانبَ الخطابيَّ، والَّذي خُوطب به الناسُ عامَّة، والمؤمنون خاصَّة، وجدنا أنَّ القرآن يدعو إلى المَطالِب العالِية، والفضائل السَّامِية، والتَّشريعات الهادِية الموجِّهة إلى كل خيرٍ، والدَّعوة إلى هذه المطالب والفضائل والأخلاق والتَّشريعات في الأسلوب الخطابي القرآني، لا تقف أمام نوعٍ واحدٍ أو صورةٍ واحدةٍ مِن صُوَرِ الدَّعوة، بل إنَّنا نرى أنَّ مِن خصائص هذا القرآن البلاغية، وكماله التشريعي، أنَّه نوَّع بين أساليب الخطاب فيه للنَّفس البشرية، ومِن ثم نوَّع أيضًا المجالات المخاطب بها.

 

فكان بذلك أعظمَ الهداية والإرشاد للقلوب الغافلة، والعقول الحائرة، والنفوس الضالَّة.

وهنا نقِف وقفةً قرآنيَّةً مع مجالات الخطاب القرآني وشموليَّته لأصناف المخاطبين، وبيان ذلك فيما يلي:

1- خطاب القرآن للنَّاس عامَّة:

باستقراء آياتِ القرآنِ الكريم، نجدنجد أن الله تعالى قد وجَّه الخطابَ لِعموم الناسِ في غيرِ موضعٍ من القرآن، وكلُّ خطابٍ فيه له هَدَفُه ومَقاصِدُه، ومجموع سياق هذه الآيات الواردة في خطاب النَّاس عشرون موضعًا، إلَّا خمسةَ مواضع منها، ثلاثة منها سياق خطاب الله للنَّبي صلَّى الله عليْه وسلَّم لدعوة النَّاس إلى اتِّباعه، والإيمان برسالته، وهى قوله تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158].

وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [يونس: 104]. وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [يونس: 108].

وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الحج: 49].

.[يونس: 104]. وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [يونس: 108].

وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الحج: 49].

 

أمَّا الخطاب الخامس فهو مِن سياق كلام نبي الله سليمان عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: 16].

 

أمَّا ما عدا هذه المواضع فهي خطابٌ مِن الله سبحانه وتعالى إلى عموم النَّاس.

 

وهذه بعض الآيات الواردة في ذلك:

1- قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

2- وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾ [البقرة: 168].

3- وقوله تعالى: ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ﴾ [النساء: 133].

4- وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ ﴾ [النساء: 170].

5- وقوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 174].

6- وقوله جلَّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء: 1].

– خطاب القرآن للأنبياء والمرسلين:

ومن مجالات الخطاب القرآني خطابه للأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وأمرهم بدعوة الناس إلى الإيمان والتوحيد، وإلى أصول الخير والسعادة وأشياء أخرى، ومن ذلك:

1- قوله عزَّ وجلَّ في شأن نبي الله نوح عليه السلام: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ﴾ [هود: 36، 37].

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى