يقول الفنان إسحق أحمرو “ستبدأ الإنسانية بالتحسن عندما تأخذ الفن على محمل الجد كما الفيزياء أو الكيمياء أو المال”
في زحمة الأحداث والمواقف والأعمال والتصرفات اليومية التي توثقها عدسة عين الإنسان، وتنقل تفاصيلها الألسن على شكل حكايات وقصص، وتعبر عنها وتكشف حقيقتها وتنشرها الأقلام والصور واللوحات الفنية، في نصوص أدبية وقصائد شعرية وقصص وروايات وفنون رسم ونحت وموسيقى وغيرها والتي تعد انعكاسا ونقلا لثقافة البشر وأحداث الحياة ومحاولات لصياغتها في قوالب ابداعية تبهر القارئ وتلامس شغاف القلوب، وتبتغي في الوقت ذاته تحقيق جملة من الأهداف والغايات الرائعة، منها على سبيل المثال لا الحصر: نشر المعرفة ورفع الذائقة الفنية لدى عموم الناس وتحبيبهم في الأعمال الأدبية والثقافة والقراءة والمطالعة والمشاركة في الحوار والنقاش، وبالمجمل إثراء الساحة الثقافية في مختلف مجالاتها وحقولها وفنونها ـ نقل وتقديم وعرض وتوثيق ثقافة المجتمع بكل ما تحتويه من خصائص وسمات وتاريخ وقيم وعادات وتقاليد وسلوكيات وأفعال وأعمال، والتي ينتمي إليها هؤلاء المثقفون والكتاب والفنانون، وعرضها في قوالب ونصوص فنية أدبية كما أسلفنا ـ ترسيخ قيم الحوار وثقافة الرأي والرأي الآخر وممارسة النقد باعتبارها سلوكيات طبيعية لها منافعها الكثيرة على المجتمع، وإحداث التغيير الإيجابي الذي يعمق من أعمال الخير، ويسهم في رفعة شأن الشعوب والأفراد وتنمية الجوانب الإنسانية لديهم، وأجمل تعريف حصلت عليه للفن بعد بحث مطول، يتفق مع رؤيتي التي ضمنتها هذا المقال، يصفه بأنه: “مرآة المجتمع التي تعكس كل قضاياه بإيجابياتها وسلبياتها .. ويتناول كافة القضايا .. أو بمعنى آخر كل ما هو موجود على أرض الواقع .. دون أي تجميل .. أو تصفية للشوائب”. وتصنف الآداب والفنون ضمن أثمن الثروات التي تمتلكها الشعوب والدول والأعراق، والاستثمار في المواهب يحقق أعلى العوائد، فالنص الأدبي، والمسرحي، والقصيدة الشعرية والفيلم السينمائي واللوحة الفنية…التي تنافس على العالمية وتفوز بجوائز وتكرم في المنتديات والمهرجانات والأعمال الدولية لا تعود منافعها وعوائدها على الأديب والشاعر والفنان والمخرج والمؤلف وحدهم، بل يتسع نطاق شهرتها وسمعتها ويتجاوز أثرها الإيجابي لتعم الوطن والمجتمع اللذين ينتمي إليهما، فهم بهذا الفوز يقدمون وطنهم، تاريخه، ثقافته، أعماله الأدبية والفنية، المواهب التي يحتضنها وينميها، ذائقة أفراده الرفيعة، مكانته السياحية وما يمتلكه من خصائص ومواقع وآثار مهمة، وتسلط عليه الأضواء إعلاميا… ما يعد قوة دفع مهمة ومكسبا كبيرا وسمعة طيبة إذا ما أحسن استثمارها وفعلت إدارة قطاعاتها لضمان نموها وازدهارها، معبرة عن الحراك والنشاط والتدافع الإنساني الذي يضيف ويعمق ويرفع من شأن الأمم، ومقياسا للثراء التعليمي والمعرفي والثقافي، ورصدا للحركة النشطة للمنتج الأدبي والفني بأنواعه، والمتابع اليوم لهذا القطاع بمساريه الثقافي والرياضي يكتشف بأنه واحد من أهم القطاعات التي تستثمر فيه الدول ويحقق عوائد وموارد كبيرة، سواء كان على مستوى الإنتاج الثقافي يبرز في حركة التأليف والطباعة والنشر والمكتبات أو منافذ البيع الخاصة بها، أو الإنتاج السينمائي والتلفزيوني والمسرحي… وتستفيد وتنتفع منهما أوردة وأنشطة تجارية متعددة، أو الحقل الرياضي الذي تعتمد عليه الكثير من المجالات التجارية وتستثمر فيه حكومات وشركات ورجال أعمال ومتخصصون على مستوى العالم. ومن قبل كتبت عن مسلسل “قيامة أرطغرل” ومنافعه وعوائده على التاريخ والثقافة والسياحة والاقتصاد التركي بشكل عام، وفي زيارتي إلى مدينة “ميونيخ” الألمانية شاهدت عددا من المعالم الرياضية ورأيت ما تحققه من عوائد مالية وحجم الشركات التي تستثمر فيها، وبالإضافة إلى كل ما تمت الإشارة إليه فالحقول والأنشطة الثقافية تشكل ضمانة للمجتمع ترسخ الوعي وتعمق القيم الإنسانية الرفيعة وتهيئ المجتمع لممارسة العمل السياسي والمشاركة في السياسات والقرارات الوطنية، والقدرة على إدارة الحوارات والملفات المهمة وشؤون المجتمع بشكل عام…ويشير إلى مستقبل مزدهر تتفاعل فيه وتقوده الحركة الثقافية التي تنشط فعل القراءة عند الأجيال وتحببهم في الاطلاع وتنمي لديهم موهبة الاكتشاف والابتكار وترغبهم في البحث والإبداع وتحفزهم على الإنتاج الأدبي والفني وتطوير النقد… وسوف يؤدي تحقيق ذلك إلى نمو عدد الكفاءات، فتتقدم المؤسسات والأعمال، وتتطور الوسائل والتقنيات، وتنشط الأسواق والمشاريع والمصانع، وتصبح البيئة دافعة ومحفزة للابتكار والبحث والاكتشاف وتسجيل المزيد من براءات الاختراع واحتضان المواهب… وبالعودة إلى ما أشرنا إليه في بدايات المقال، فالأفعال والأعمال والتصرفات والأحداث…التي يقوم بها البشر أفرادا أو فئات وشرائح بعينها أو الحكومات تعد مادة خصبة ومصدرا ثريا تلهم الكتاب والمثقفين والفنانين والأدباء للإبداع برسائلهم التي يتقنون صياغتها ويبرعون في وضع حبكتها الفنية كل بحسب ما يجيد ويتقن فيه من مجال، فكم من الروايات والأفلام السينمائية والقصص التي تشير وتنبه إلى أنها “مستوحاة من قصة حقيقية” أبهرتنا وأثرت فينا، بل وصححت الكثير من المسارات والتصورات والأفكار المغلوطة ونبهتنا إلى ما يحتاج فعلا إلى تنبيه وتذكير، ووثقت وقدمت الكثير من الأحداث التاريخية، والطفرات العلمية، وسير الشخصيات، والكوارث والأزمات الطبيعية والاقتصادية والسياسية، والمشاهد الإنسانية المؤثرة، وكشفت عن الأخطاء والممارسات والتجاوزات والحماقات التي ترتكبها الحكومات والأفراد والجماعات. هذا العرض الذي قدمه المقال وكشف عن أهمية ودور ومكانة الآداب والفنون والرياضة في نهضة الأمم وتقدم الدول وحفظ وتوثيق تاريخها وثقافتها وبث الرسائل التوعوية الهادفة وترسيخ القيم والمثل الإنسانية العظيمة يحتم علينا الاستثمار فيها وتنمية وإثراء الساحة الثقافية والرياضية والدفع بهذه القطاعات للمنافسة وتحقيق نجاحات إقليمية وعالمية باهرة تضع السلطنة في المكانة التي تستحقها فعلا وتقدم لحضارتها الإنسانية
أقرأ التالي
2025-05-03
البلشي نقيباً لولاية ثانية… مسيرة بدأت بالحقوق وتُستكمل بالتحرير”
2025-05-02
بين جدران “الأمان”: طفولة مُغتصبة.. والمؤبد يطفئ جزءًا من صرخة الإنسانية!
2025-05-01
مشيرة موسى تكتب ” عقوبة التجريس “
2025-04-30
الإخوة والأخوات
2025-04-30
نهاية الإمبراطورية الأمريكية على يد الأحمق.. تور امب
2025-04-29
الأوقاف في الإسلام واشراقاتها الحضارية ” اوقاف النساء “
2025-04-29
فندق Triumph Plaza Hotel بمصر الجديدة يفتح أبوابه لاستقبال النسخة الرابعة من مؤتمر EPSF Conference
2025-04-28
نفوس وأرواح مهشمة
2025-04-26
توجيهات عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عامله أبي موسى الأشعري في القضاء
2025-04-25
سيناء..الماضي والحاضر والمستقبل
زر الذهاب إلى الأعلى