سياحه وآثارمقالات

قصة أقدم وأغرب مئذنة في مصر

كتب / جمال أحمد حسن

تعرف القاهرة بمدينة الألف مئذنة، حيث أطلق عليها الرحالة القدامى الذين قاموا بزيارتها خلال رحلاتهم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر اسم ” القاهرة مدينة الألف مئذنة “، وذلك لكثرة عدد مساجدها العتيقة، وكثرة ما بها من مآذن متعددة الطراز المنتمي لعصور مختلفة، ويرجع تاريخ إنشاء أغلب تلك المساجد إلى فترات قديمة قد تصل أحياناً إلى ألف عام، كما يضم أحيانا المسجد الواحد أكثر من مئذنة، ومن أمثلة ذلك الجامع الأزهر الشريف الذي يضم أربعة مآذن.

تعد مئذنة جامع “أحمد بن طولون” في القاهرة أقدم وأغرب مئذنة في مصر، فهي الوحيدة من نوعها، التي لا يوجد لها مثيل بين المآذن في مصر، حيث أن السلم في كل المآذن يكون بداخل المئذنة، ولكن في هذه المئذنة يوجد السلم خارجها، حيث يلف من حولها سلم دائري، عكس اتجاه عقارب الساعة، و له سور دائري، وهي مربعة من أسفل، ثم أسطوانية، و تنتهى بشكل مثمن، وتتوجها قبة من أعلى، و يبلغ ارتفاعها 40 متراً، و تعرف هذه النوعية من المآذن في العمارة الإسلامية باسم “المئذنةالملوية ”، ويعتقد أنها بنيت على طراز مئذنة جامع سامراء في العراق.

و تظهر مئذنة جامع “أحمد بن طولون” في كتاب “وصف مصر” الذي يحتوى على صور رسمها الرحالة في القرن الثامن عشر يعلوها مركب من النحاس، يقال أنه كان يملأ بالحبوب لتأتي إليه الطيور و تأكل منه، و لكن علماء الآثار يؤكدون أن هذا المركب كان يملأ بالزيت ويستخدم للإضاءة ليلاً.

يتميز جامع “أحمد بن طولون” أيضا بأنه ثالث الجوامع التي أنشئت في مصر، بعد جامع “عمرو بن العاص” ، وجامع العسكر الذي زال بزوال مدينة العسكر، وكذلك إلى أنه يعد من أقدم مساجد القاهرة والوحيد الذي لا يزال يحتفظ بشكله الأصلي منذ إنشائه حتى الآن، و لم تتغير معالمه، فقد تغيرت معظم معالم مسجد “عمرو بن العاص”، وكذلك جامع الأزهر الشريف بمرور الزمن، بالإضافة إلى أنه يعد أكبر مسجد في مدينة القاهرة من حيث المساحة.

يقع جامع أحمد بن طولون في ميدان السيدة زينب في مدينة القاهرة، و هو ذو تاريخ يمتد إلى حوالى 1151 سنة منذ أن أنشأه “أحمد بن طولون” عام 877 م فى مدينة القطائع، و تكلف بناؤه 120 ألف دينار.

أسس “أحمد بن طولون” مدينة القطائع، وهي ثالث مدينة تأسست في مصر بعد مدينة الفسطاط الكائن بها جامع “عمرو بن العاص”، و مدينة العسكر و مكانها عند مذبح السيدة زينب، و سميت القطائع بذلك الإسم بسبب إقامة العساكر القادمين مع أحمد بن طولون فيها على هيئة قطائع و قبائل، ليقرر مع بناء المدينة إقامة مسجد ليس له مثيل في وسط المدينة .

وتبلغ مساحة مسجد أحمد بن طولون حوالي ستة أفدنة ونصف، وطوله 138 متراً، و عرضه 118 متراً تقريبا، وهو من المساجد المعلقة، حيث يصعد إلى أبوابه بدرجات سلالم دائرية الشكل، ويتوسط المسجد صحن مربع، أما شبابيك المسجد فتحيط به من جوانبه الأربعة، و عددها 128 مصنوعة من ألواح الجص المزخرف بزخارف هندسية تعود إلى العصر الفاطمي، بالإضافة إلى الصحن المربع الذي يتوسط المسجد الذي تقع فيه قبة المسجد التي ترتكز على 4 عقود.

شيد “أحمد بن طولون” مسجده فوق جبل “يشكر” في منتصف مدينته الجديدة القطائع، وقد عرف الجبل بهذا الإسم نسبة إلى قبيلة “يشكر” التي جاءت من غرب الشام أثناء فتح “عمرو بن العاص” لمصر، و استقرت عند هذا الجبل، كما يقال أن الجبل مبارك لأنه وقف عليه سيدنا “موسى” يناجي ربه، كما أن هذه المنطقة آمنة لا يأتيها فيضان النيل.

وقد بنى “أحمد بن طولون” مسجده بعد أن شكى الناس من ضيق جامع العسكر ، فبدأ البناء عام 263 هجرية – الموافق لعام 876 م.

و اكتمل بناؤه عام 265 هجرية – الموافق لعام 879 م . و هذا التاريخ مدون على لوح رخامي مثبت على أحد أكتاف رواق القبلة بالمسجد .

و يتميز هذا المسجد بزخارفه الإسلامية الجميلة التي تجعله أحد النماذج النادرة للفن الإسلامي والعمارة الإسلامية، وفي عهد الأيوبيين أصبح جامع “أحمد بن طولون” جامعة تدرس فيه المذاهب الفقهية الأربعة، وكذلك الحديث والطب إلى جانب تعليم الأيتام.

ويعد مسجد “أحمد بن طولون” نموذجا للتلاحم الإسلامي المسيحي الذي يزخر به تاريخ مصر القديم والمعاصر، فقد وضع ” ابن طولون” شروطاً لبناء مسجده : ” جامع لا يغرق، و لا يحرق، و لا يمت إلى العصور الإسلامية أو القبطية أو الفرعونية بأية صلة ” ، لذلك قرر “أحمد بن طولون ” أن يستعين في تشييد هذا المسجد بأمهر المهندسين، ووقع اختياره على المهندس “سعيد بن كاتب الفرغاني” ، المهندس المسيحي الذي كان معروفاً بمهارته في فن العمارة والبناء، لذلك استعان به “ابن طولون” ليحقق حلمه، واستقر “ابن طولون” والمهندس “سعيد بن كاتب” على أرض فوق ربوة صخرية، كانت تسمى بـ”جبل يشكر” المعروفة الآن بمنطقة “قلعة الكبش” ، و يحكى المقريزى أن المهندس المسيحي وضع يده في البناء في الموضع الذي هو فيه الآن، فكان يقطع منه الحجر، ويعمل منه الجير، ويبنى إلى أن فرغ منه، وبيضه، وعلق فيه القناديل بالسلاسل الحسان الطوال، وفرش فيه الحصر العبدان، وحمل إليه صناديق المصاحف، ونقل إليه القراء و الفقهاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى