ثورة أهالي “دير مواس” في يوم 18 مارس سنة 1919
من الأحداث المهمشة والمنسية في تاريخ مصر
كتب/خطاب معوض خطاب
لا شك أن المصريين على مدار تاريخهم الطويل لم يخضعوا أو يستكينوا أو يلينوا لمحتل أبدا، بل يشهد التاريخ على أن المصريين كانوا حريصين دوما على الجهاد وبذل الأرواح في سبيل الحرية والاستقلال، ويوم 18 مارس 1919 يعد واحدا من أيام مصر المشهودة، حينما ثار أهالي دير مواس وشاركوا إخوانهم في القاهرة ومصر كلها في ثورتهم على الإنجليز المحتلين، ودير مواس كانت في ذلك الوقت قرية تابعة لمركز ديروط التابع لمديرية أسيوط قبل أن تصبح مدينة تابعة لمحافظة المنيا، وقد وصف المؤرخ عبد الرحمن الرافعي أحداث دير مواس في كتابه “ثورة 1919” بأنها كانت أشد حوادث ثورة 1919 عنفا في مصر كلها.
وقاد ثورة الأهالي دكتور خليل أبو زيد ابن عمدة دير مواس، والذي كان قد قدم من بريطانيا قبل اندلاع أحداث الثورة المصرية في يوم 9 مارس 1919 بما يقرب من شهر أو أكثر قليلا بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في الزراعة من جامعة لندن، وكانت الأحداث قد تصاعدت في يوم 17 مارس 1919 حينما قامت مديرية أمن أسيوط بإرسال إشارة تليفونية إلى مراكز ونقط البوليس على طول المديرية، وقالت هذه الإشارة بأن قطارا سوف يتحرك في الغد في طريقه إلى القاهرة وعلى متنه القائمقام بوب مفتش سجون الوجه القبلي والملقب بالسفاح لقسوته وبصحبته اثنان من الضباط وخمسة من الجنود، وذلك للمساهمة والاشتراك في إخماد الثورة والقضاء على ثوار القاهرة، وأكدت الإشارة أن المطلوب هو العمل على تشديد الحراسة عليهم ليواصلوا طريقهم بسلام.
وما كان من ضباط مركز أسيوط المصريين الوطنيين إلا أن ذهبوا إلى الأهالي وأخبروهم بمحتوى الإشارة، وقالوا لهم إن الواجب علينا أن نشارك في الثورة وأنه من العار على أهل الصعيد أن يصل هذا القطار إلى القاهرة، وبالفعل توجه الأهالي إلى محطة القطار وصعد بعضهم إليه ومعهم العصي والفئوس وظلوا يبحثون عن الضباط والجنود الإنجليز لكنهم وجدوهم قد تحصنوا داخل إحدى عربات القطار الذي انطلق به سائقه وبداخله أهالي ديروط، وحينما وصل القطار إلى محطة دير مواس التحم أهالي دير مواس الثائرين مع ثوار ديروط وقاموا باقتلاع قضبان السكك الحديدية وهجموا على القطار بعد أن منعوا سائقه من التحرك ثم قاموا بتحطيم نوافذه وأبوابه، وقتلوا الضباط الثلاثة واثنين من الجنود الإنجليز بينما قفز الجنود الثلاثة الباقين من نوافذ القطار فلقوا مصرعهم في الحال.
وقام الأهالي الثائرون بإعادة جثث هؤلاء الجنود الثلاثة إلى القطار، ثم سمحوا للقطار باستكمال مسيرته إلى القاهرة بعد أن طلبوا من قائده أن يمضي بحمولته من قتلى الإنجليز، وانتقمت القوات الإنجليزية من الأهالي انتقاما شديدا حيث قاموا بضرب أسيوط بالطائرات الحربية، وألقوا القبض على عدد كبير من أهالي ديروط وأسيوط ودير مواس الثائرين، ومن بينهم عدد كبير من عائلة أبو زيد، وقام الإنجليز بإعدام كل من الدكتور خليل أبو زيد وابن عمه عبد الرحمن حسن محمود، والجدير بالذكر أن دير مواس ومحافظة المنيا قد اتخذتا من يوم 18 مارس يوما وطنيا وعيدا قوميا لهما.