مقالات
طبع العراقي
د.صالح العطوان الحيالي
العراق هذا البلد الذي يمتزج بدم ابناءه الغضب والطيب والفرح والحزن والحب والكره في أن واحد
هذا البلد المعروف بعناده وعدم اكتراثه لغضب اعدائه .. أرق جيرانه طويلاً مذ بزغت .. فهو لايستقر أبداً مع وجود تهديدٍ قريب ، يمكن له ولشعبه ان يضرب دولةً أخرى او يهددها او يحرق مصالحها او حتى يغزوها بالكامل اذا تعرض لكرامته بشيء ..
ولهذا عانى العراقيون طويلاً من عقدة غضبهم السريع .. رغم انهم لا يكترثون احيانا لتلك المعاناة.. المهم إنّنا ضَرَبنا !!
هؤلاء رغم ما يقال عنهم أنهم سريعوا الغضب لكنهم سريعوا الدمع أيضاً .. هم متطرفون في كل شيء .. فقصائدهم الحزينة تصيب القلوب بعواصف الالم وأغانيهم الحماسية تلهب الصدور وتلقم السلاح .. يبكون دماً لعصفورٍ مذبوح ويجزون رؤوس اعدائهم بلا رحمة .. يعشقون بتطرف وتعشق نسائهم بجنون .. يحبون امتصاص نخاع الحياة .. ويقفزون الى الموت في أول مناسبة .. كل ذلك في وقتٍ واحد !!!
العراقيون قوم لا يفهمهم الا من عاشرهم .. شبابهم جميلوا الخلقة .. فتياتهم يذبحن العيون جمالاً .. أعينهم تشع حسناً .. وأصواتهم عذبة على المسامع .. لكنهم في الوقت نفسه عكرو المزاج .. شديدو الحزم .. سريعوا التدخل .. ويلجأون للقوة كحلٍ مناسب دائماً ..
ليس بين بيتٍ عراقي وآخر فرق .. لو دخلت لوجدت نفس مذاق الطعام .. لأن الروح نفسها تطبخ هنا او هناك .. ولوجدت اماكن تعليق المناشف ذاتها .. والصور نفسها .. وآيات القرآن ذاتها على الجدران وبنفس الترتيب .. لانهم انصهروا معاً منذ الاف السنين دون جدران او حواجز ..
يظن العراقيون دائماً انهم اسياد من حولهم .. ولذا فهم شديدو الاعتزاز ببلادهم .. اما لماذا .. فيقولون لأنهم اهل مُلكٍ وثروة ومساحة وإرثٍ وتاريخٍ وقوةٍ وعدد .. ولأنهم معروفون بسطوتهم الجبارة مدى التاريخ لذا فهم يشعرون بالظلم مع اول انتقاصٍ منهم ويثورون ضده ..
قد يشتم العراقي بلاده في ساعة غضب .. لكنه قد يقتل غريباً ان شتم العراق .. فالعراق في نظرهم يأت بعد الله في القداسة .. يعلّمون صبيانهم ان يحبوه وبناتهم ان يتغنين به .. حتى لا تكاد ترى اثنين يتحدثان الا والعراق حديثٌ بينهما ..
هؤلاء قومٌ لا يعرف عنهم الإنكسار ولاالهزيمة .. تمر بهم الظروف التي لا تُطاق وبعد سنوات تجدهم أعزةً بعزة العراق ..
هؤلاء هم العراقيون الذين قال فيهم وفي بلادهم شاعرهم الكبير عبد الرزاق عبد الواحد :
هوَ العـراقُ .. سـَلـيـلُ المَجدِ والحَسَبِ
هوَ الـذي كلُّ مَن فـيهِ حـَفـيدُ نـَبي
كأنـَّما كـبـريــاءُ الأرض ِأجمَعـِهـا
تـُنـْمَى إلـيهِ .. فـَما فـيها سـِواهُ أبي
هوَ العراقُ .. فـَقـُلْ لـِلدائراتِ قـِفي
شاخَ الزَّمانُ جَميعا ًوالعراقُ صَبي
وتغنى به الشعراء منذ القدم بغداد يا قلعة الأسود ويا منارة المجد يا موطن التاريخ والحضارة .بلادي وان جارت علي فهي عزيزة اعز من الابن والمال . ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه العراق جمجمة العرب . وتكلم فيه الرحالة بكلام لطيف .