مقالات
الصحابية ام كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها
د. صالح العطوان الحيالي
أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط بن ابي عمرو بن امية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشية الاموية اخت الوليد بن عقبة واسم ابي معيط( ابان ) ، وهي كانت زوجة زيد بن حارثة رضي الله عنه ، ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ثم الزبير بن العوام رضي الله عنه ثم عمرو بن العاص رضي الله عنه ، وتوفيت بعد زواجها به، ولدت لعبد الرحمن بن عوف إبراهيم وحميد ، وكانت أخت عثمان بن عفان رضي الله عنه من أمه .
حياتها مثل من أمثلة التضحية والجهاد في سبيل الله عزَّوجل فيقول ابن سعد في طبقاته : هي أول من هاجر إلى المدينة ، بعد هجرة النبي صلّ الله عليه وسلم وأصحابه ، ولا نعلم قرشية خرجت من بيت أبويها ، مسلمة مهاجرة إلى الله ورسوله صلّ الله عليه وسلم إلا أم كلثوم
إسلامها وهجرتها
ــــــــــــــــــــــ أسلمت في مكة وبايعت ولم يتهيأ لها هجرة إلى سنة سبع للهجرة. وكان خروجها زمن صلح الحديبية، وكان من الأمور الصعبة على أم كلثوم كفتاة وحيدة الخروج وحدها لتقطع الطريق إلى المدينة دون حماية فخرجت أم كلثوم ورغم المخاطر من مكة وحدها. وفي الطريق قام بحراستها أحد المؤمنين من قبيلة خزاعة وفي ذلك الوقت لم تنزل بعد آيات التحريم والحجاب. وعندما بلغت المدينة، ولم تكن تعلم أن أخويها: الوليد وعمار قد انطلقا من مكة خلفها، فلم يمض يوم على استقرارها في المدينة حتى وصلا إلى المدينة وتقدما إلى النبي ليقولا له “أوف لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه”، فوقفت أم كلثوم بجرأة لتقول: ” يا رسول الله أنا امرأة وحال النساء إلى الضعف ما قد علمت، أفتردني إلى الكفار يفتنونني في ديني ولا صبر لي” فجاءت فيها وفي النساء من مثل حالتها، سورة الممتحنة “إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن”.
فكان يقول لهن محلفا: «الله ما أخرجكن إلا حب الله ورسوله والإسلام ! ما خرجتن لزوج ولا مال ؟». فإذا قلن ذلك، لم يرجعهن إلى قومهن. وعندما قالت أم كلثوم هذا، التفت الرسول إلى الوليد وعمارة قائلا:” قد أبطل الله العهد في النساء بما قد علمتاه”، فانصرفا.وذكر ابن إسحاق أن أخويها رحلا بعد رفض النبي أن يردها إليهما.
حياتها في المدينة وزواجها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ في المدينة تزوجت أم كلثوم من أربعة صحابة. فتزوجت زيد بن حارثة الذي قتل يوم مؤتة، وبعده تزوجت من الزبير بن العوام، وولدت زينب ثم طلقها، فتزوجت مرةً أخرى من أغنى الصحابة عبد الرحمن بن عوف فولدت له إبراهيم وحميداً وإسماعيل، وعندما توفي عنها، تزوجها عمرو بن العاص وقد توفيت بعد شهر من زواجه وذلك في فترة خلافة علي.
نشأت فى بيتٍ شديد العدواة للإسلام وللنبى صلى الله عليه وسلم، وتحديدًا والدها الذى آذى الرسول كثيرًا قبل هجرته حتى أنه كان حاول مرة أن يخنقه بيده وكان يحشد الجيوش لمحاربة الإسلام. ..إلا أن الله شاء أن تكون “أم كلثوم بنت عقبة بن أبى المعيط” هى الوحيدة فى بيتها من ينشرح صدرها للإسلام وتؤمن حتى أنها كانت من أوائل من أسلموا وواحدة من المسلمين الذين صلوا على القبلتين.
وكتمت “أم كلثوم” إسلامها وأخفته ولكن يومًا بعد آخر كانت مواصلة الحياة فى بيتها والحفاظ على إسلامها تزداد صعوبة، ويومًا بعد آخر كان خوفها يزداد من إيذاء كفار قريش لها وإجبارها على ترك دينها حتى اتخذت القرار الصعب وقررت أن تخرج إلى المدينة المنورة لتنضم إلى المسلمين هناك.
قرار “أم كلثوم” لم يكن صعبًا فقط لأنها فتاة وحيدة تخرج لتقطع الطريق الطويل من مكة إلى المدينة دون حماية أو ونس، وإنما أيضًا كان صعبًا بسبب التوقيت الذى اختارته وقت صلح الحديبية الذى كان يتضمن شرطًا مجحفًا للمسلمين يشترط على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرد إليه أى شخص يأتيه مهاجرًا من مكة، حتى ولو كان مسلمًا.
كانت “أم كلثوم” تعرف بهذا الشرط إلا إنها توكلت على الله وأصرت على الرحيل، وفى الطريق صادفت قافلة تخص رجلاً من قبيلة خزاعة التى دخلت فى حلف مع الرسول صلى الله عليه وسلم ضد قريش، فاطمأنت وطلبت منهم أن يصحبوها معها وأمنتهم على نفسها فحفظوا الأمانة وأحسنوا صحبتها حتى وصلت إلى المدينة المنورة….وروت “أم كلثوم” قصة هجرتها وقالت “كنت أخرج إلى بادية لنا فيها أهلي، فأقيم فيها الثلاث والأربع ثم أرجع إليهم فلا يُنكرون ذهابى للبادية، حتى أجمعت المسير، فخرجت يومًا من مكة كأنى أريد البادية، فلما رجع من تبعني، إذ رجل من خزاعة، قال: أين تريدين؟ قلت: ما مسألتك؟ ومن أنت؟ قال: رجل من خزاعة. فلما ذكر خزاعة اطمأننت إليه لدخول خزاعة فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده. فقلت: إنى امرأة من قريش، وإنى أريد اللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا علم لى بالطريق، قال: أنا صاحبك حتى أوردك المدينة. ثم جاءنى ببعير فركبته حتى قدمنا المدينة، وكان خير صاحب، فجزاه الله خيرًا”.
بعد أن تأخرت “أم كلثوم” عن موعد العودة وشعر أهلها بغيابها خرجوا ليبحثوا عنها فعرفوا أنها هاجرت إلى المدينة حيث أخبرتهم واحدة من النساء أنها رأتها تسلك الطريق المؤدية إلى المدينة.
وحين عرف أهلها بذلك تذكروا فورًا شرط صلح الحديبية فقالوا “لا ضير، بيننا وبين محمد عهد وصلح وليس أحد من الناس بأوفى من محمد، نذهب إليه ونسأله أن يفى بعهدنا” وخرج أخواها “عمارة” و”الوليد” للمدينة ليستعيدوا أختهما، بينما كانت “أم كلثوم” فى بيت النبوة، دخلت على أم المؤمنين “أم سلمة” وعرفتها بنفسها وقالت لها إنها تخشى أن يردها الرسول صلى الله عليه وسلم لأهلها التزامًا بشرط الصلح، ولما دخل الرسول على أم سلمة أخبرته بذلك فرحب بها فقالت لها “يا رسول الله، إنى فررت إليك بديني، فامنعنى ولا تردنى إليهم يفتنونى ويعذبوني، ولا صبر لى على العذاب”.
ووصل شقيقاها إلى المدينة فى اليوم التالى لوصولها وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم استردادها إلا أن الله نزل فى قرآنه ما ينجيها حيث تنزلت الآية العاشرة من سورة الممتحنة “يا أيها الذين ءامنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنّ الله أعلم بإيمانهنّ فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهنّ إلى الكفار لا هنّ حلٌّ لهم ولا هم يحلون لهنّ وءاتوهم ما أنفقوا ولا جُناح عليكم أن تنكحوهن إذا ءاتيتموهن أجورهنّ ولا تُمسكوا بعصَم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم” وبذلك كانت سببًا فى استثناء النساء من هذا الشرط المجحف فى الصلح وواصلت حياتها فى المدينة المنورة وتزوجت بها وكانت أيضًا من رواة الحديث.
المصادر
الطبقات لابن سعد
الإصابة لابن حجر
الإعلام للذهبي