مقالات

ثورة يوليو وفلسطين وعلاقة العاشق والمعشوق

بقلم: د. غادة محمد عبد الرحمن

 

ستظل ثورة الـ٢٣ من يوليو عام ١٩٥٢م، التي نحتفل هذه الأيام بعيدها الـ٧٢، بوصلة النضال التي تسير على هداها جميع ثورات التحرر، وحركات المقاومة، في شتى أنحاء العالم، وذلك لما تبنته من نهج، وأقرته من مبادئ تمثل في مجملها دستوراً متكاملاً، للحرية، والعدالة، والكرامة الإنسانية، صالحاً لكل زمان ومكان، وسيظل قائدها الخالد الرئيس جمال عبد الناصر نبراساً لكن أحرار العالم، من المناضلين الشرفاء، والثوار النبلاء، الباحثين عن حرية الأوطان، وكرامة الشعوب، وذلك لما له من سمات خاصة شكلت منه زعيم فريد، لن يتكرر.

هذا بالإضافة إلى المواقف التاريخية للثورة وقائدها في مساندة الثورات، والحركات التحررية، التي تفجرت في الكثير من دول العالم، لا سيما في المنطقة العربية، والقارة الأفريقية، خلال فترة الخمسينيات، والستينيات من القرن الماضي، حيث كان لثورة الـ٢٣ من يوليو دوراً عظيماً في نجاح ثورات تلك الحقبة، وحركاتها التحررية، وذلك من خلال تقديم الدعم بمختلف أنواعه، لهذه الثورات وقياداتها، الذين وجدوا في مصر الثورة ملاذاً أمن.

وكان للقضية الفلسطينية النصيب الأكبر من إهتمام ثورة الـ٢٣ من يوليو وزعيمها الخالد، وإن كان هذا شيئاً بديهياً، نظراً لما تتميز به علاقة الثورة وقائدها بفلسطين من تفرد وتشابك، أشبه بعلاقة العاشق والمعشوق، في الأرتباط والتلازم، فلا ندري من صاحبة الفضل على الأخرى، هل هي الثورة التي ساندت فلسطين بشتى الطرق والوسائل، ومنذ بداية إنطلاقها وحتى اللحظات الأخيرة من حياة قائدها؟ أم فلسطين هي التي ساندت الثورة، حيث كانت بمثابة الرحم الذي احتضن جنين الثورة إلى ان أكتمل وخرج إلى النور؟ فمن المعروف ان حرب فلسطين عام ١٩٤٨م، وما فعله نظام الحكم في ذلك الوقت في إدارتها من مهازل شهد عليها جمال عبد الناصر ومجموعة من رفاقه الأحرار، الذين شاركوا في هذه الحرب، تعد أول الأسباب التي أدت إلى قيام الثورة.

حيث قامت مصر الثورة بدوراً محورياً في دعم فلسطين، وبشتى الطرق والوسائل، فقد كان لها سعيها المتميز في عرض القضية الفلسطينية على المحافل الدولية المختلفة، مع التأكيد على عدالة القضية، وحق الشعب الفلسطيني في أرضه وأرض أجداده، ومطالبة دول العالم بالقيام بواجباتها تجاه الشعب الفلسطيني، وكان لها الأسبقية في المطالبة بوجود هيئة سياسية تعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني، وتمثله في المحافل الدولية، وقد ظهر ذلك جلياً في مؤتمر القمة العربية الذي دعا إليه الرئيس جمال عبد الناصر عام ١٩٦٤م، وكان من أهم نتائجه تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في نفس العام.

 هذا وقد كان الزعيم الخالد دائم التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة حتى تحقيق النصر في الكثير من خطاباته، ومن أبرز ما قاله في هذا الصدد “إن المقاومة الفلسطينية وجدت لتبقى وستبقى” وقال إيضاً “سوف نعود إلى القدس، وسوف تعود القدس إلينا، ولن نلقى السلاح حتى يعود السلام الحقيقي إلى مدينة السلام”.

فقد كان لفلسطين وشعبها مكانة خاصة لدى مصر الثورة وقائدها، وهذا ما يعبر عن نفسه في شهادة العديد من أبناء فلسطين، وهنا نتوقف عند ما قاله محمود الزهار القيادي بحركة حماس، الذي لم يمنعه الإختلاف الإيديولوجي مع عبد الناصر من شهادة حق أدلى بها أثناء حواراً له مع إحدى الفضائيات في منتصف عام ٢٠١٩م، وكان أبرز ما قاله “إن علاقة الرئيس عبد الناصر بالفلسطينيين كانت أقوى من علاقة الرئيس مرسي بهم، وذلك لإن عندما خدم عبد الناصر في الجيش المصري كان يعيش في فلسطين بالفالوجة” وأضاف كذلك “كنا أيام عبد الناصر نتعلم في مصر ويوجد عدد كبير جدًا من المدرسين الفلسطينيين في مديرية التحرير وقد كان عبد الناصر يوظفهم بعشرة جنيهات بعد أن يتخرجوا من الثانوية العامة وتزوجوا هناك” ثم قال “نحن درسنا في الجامعات المصرية مقابل اثنان جنيه ونصف رسوم سنوية في كلية الطب، وبالتالي لم نكن في يوم من الأيام بعيدين عن مصر لا عرقياً ولا أدبياً ولا مسؤولية تعليمية ولا مسؤولية سياسية”.

وقد ظلت مصر الثورة على عهدها مع فلسطين حتى أخر لحظة من عمر قائدها، حيث كان أخر ما قام به الرئيس عبد الناصر قبل وفاته بساعات قليلة، هو إنهاء حالة الأقتتال التي نشبت بين الجيش الأردني من ناحية ومنظمة التحرير الفلسطينية من ناحية أخرى، أو ما عرف بأحداث أيلول الأسود، التي إشتعلت في سبتمبر عام ١٩٧٠م.

وبعد ٧٢ عام من قيام الثورة نجد قضية العرب المحورية وقد أُختصرت في مجرد مناشدة المجتمع الدولي للتدخل لفك الحصار الصهيوني عن أهل غزه الذين يواجهون القصف والحرق والتجويع منذ أكثر من عشرة أشهر، دون منقذ أو مغيث، ولهذا فنحن في أمس الحاجة إلى إستلهام روح ثورة يوليو ورؤية قائدها، حتى نعود إلى أنفسنا، إستلهام روح العاشق لإسترداد المعشوق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى