مقالات

السلام المؤجّل: بين رماد الماضي ولهيب الغد

كتب:خالدعبدالحميدمصطفى

لطالما كان التاريخ شاهداً على دور اليهود في المجتمعات المختلفة، سواء في أوروبا أو في الشرق الأوسط. فمنذ العصور الوسطى وحتى القرن العشرين، تعرَّضوا لموجات متكررة من الإضطّهاد، كان أبرزها المحرقة النازية خلال الحرب العالمية الثانية. هذه المأساة ساعدت في دفع القوى العالمية إلى تبني فكرة إنشاء دولة لهم، مما أدى إلى قيام إسرائيل عام 1948، بدعم غربي قوي.

ولكن هل إستغل اليهود هذه الفرصة لصُنع السلام، أم أنهم إتجهوا إلى سياسات قد تُعيد عجلة التاريخ إلى الوراء؟

من مُعاناة الماضي إلى إستغلال الحاضر”

بعد الحرب العالمية الثانية، كانت هناك فرصة تاريخية لليهود ليُصبحوا جزءاً من العالم، يتعايشون بسلام مع الآخرين. إلا أن الحركة الصهيونية إختارت نهج القوة والإستيطان، مما خلق صراعات مستمرة مع الفلسطينيين والدول العربية. بدلاً من أن تكون المحرقة درساً في التسامح والإندماج، تحوّلت إلى أداة تبرير لكل السياسات الإسرائيلية، حتى وإن كانت ظالمة.

السلام كفرصة ذهبية لم تُستغل”

في عام 1979، وقّعت مصر معاهدة سلام مع إسرائيل، وكانت هذه لحظة فارقة. قدمت القاهرة فرصة غير مسبوقة لتل أبيب للإندماج في المنطقة، لكن السياسات الإسرائيلية لم تتجه نحو المصالحة الحقيقية. بدلاً من ذلك، إستمرت في توسيع المستوطنات، وفرض الأمر الواقع بالقوة، مما جعل فكرة التعايش السلمي بعيدة المنال.

ومع موجة التطبيع الأخيرة بين إسرائيل وعدة دول عربية، يبدو أن هناك فرصة أخرى للسلام. ولكن إذا إستمرت تل أبيب في سياساتها العدوانية تجاه الفلسطينيين، فقد يكون هذا السلام مجرد هدنة مؤقتة، سرعان ما تنفجر تحت وطأة الغضب الشعبي والتغيرات السياسية.

هل يتجه اليهود نحو إضطّهاد جديد؟

التاريخ يُعيد نفسه، ولكن بأشكال مختلفة. إذا إستمرت إسرائيل في سياسات الإحتلال والقمع، فإنها قد تواجه عُزلة دولية متزايدة، وحتى رفضاً عالمياً يشبه ما تعرض له اليهود في أوروبا خلال العصور الماضية. فالمجتمع الدولي بدأ يرى إسرائيل ليس كضحية، بل كقوة إستعمارية تفرض سيطرتها بالقوة.

إذا لم تُغيّر إسرائيل سياساتها، فقد تجد نفسها يوماً ما أمام رفض عالمي شامل، مما قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة عليها. إن الإستمرار في إستخدام القوة لن يُنتج سلاماً، بل سيخلق حالة من العداء العالمي، قد تكون نتائجها كارثية.

الطريق إلى المستقبل: خيار السلام أو التصعيد”

اليهود أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يُصبحوا جزءاً من العالم، يعيشون بسلام مع جيرانهم، أو أن يواصلوا نهج القوة، مما قد يقودهم إلى مأساة جديدة. لقد منحهم العالم فرصة تاريخية بعد الحرب العالمية الثانية، كما قدمت لهم الدول العربية فرصاً متكررة للسلام، لكن إستمرار السياسات العدوانية قد يؤدي إلى نتائج لا يمكن التنبؤ بها.

ختاماً” إن السلام ليس ضعفاً، بل هو القوة الحقيقية. وإذا لم تدرك إسرائيل هذه الحقيقة، فقد تجد نفسها في مواجهة مستقبل لا يختلف كثيراً عن الماضي الذي تحاول الهروب منه. فهل ستفهم الدرس قبل فوات الأوان؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى