يقول الكاتب عبادة احمد إن مفهوم العبادة في الإسلام بجمع بين الشقين:
العبادات الشعائرية: كالصلاة والزكاة والصيام والحج وقراءة القرآن وذكر الرحمن وغيرها..
وبين “العبادات التعاملية”: والتي هي باختصار شديد أخلاقيات التعامل مع عباد الله بشتى أنواعهم وعقائدهم، كالصدق والعدل والأمانة والنصح والرحمة والعفو والإنصاف والإحسان.. وغيرها.
ولا يتم دين العبد إلا بهما، ولا ينجو إلا بالجمع بينهما، ولا يمكن للإسلام أن يطغى بإحداهما على حساب الأخرى، بل إن الاهتمام بالتعامل واضح جدا في كتاب الله وسنة رسوله؛ إذ ماذا يمكن أن تفيد العبادات الشعائرية، إذا لم تصاحبها العبادات التعاملية.
ماذا يفيد البشر أن تكون المساجد ملآى بالمصلين، في وقت نجد فيه أنّ تعاملهم ومعاملاتهم تتنافى مع شعائر الدين، وأدنى مقومات الأخلاق؟
ماذا يعني المسلم أن يقوم الليل ويصوم النهار ويحافظ على الصلوات في أوقاتها في الجماعات، ثم إذا باع غش، وإذا تكلم كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر؟
ماذا يفيد إذا كان ظاهر الإنسان الإسلام والالتزام ـ ولو كان حتى من أهل المساجد ـ ولكنه في تعاملاته غليظ قاس، عبوس جاف، يزدري البشر، ويتكبر على العباد، ويظلم الضعيف، ويأكل مال الناس بالباطل؟
إننا نحن المسلمين مطالبون بتقديم الإسلام للعالم ودعوتهم للإيمان به.. لكن:
ماذا يفيد العالم إذا قلنا له: إن دين الإسلام هو دين العدل والرحمة والرفق. وهم يرون أن بلاد المسلمين هي أشد البلاد ظلما وقهرا وقمعا للحريات ومصادرة للآراء؟
لو ظللنا نصرخ في العالم: إن الإسلام دين الأخوة والمحبة والألفة والتكاتف والتعاضد والتناصر بين أهله، ثم هم يرون أهل الإسلام ودوله يحاصر بعضها بعضا، ويحارب بعضها بعضا، ويأكل قويها ضعيفها.
كيف تقنع العالم بأن هذا الدين هو دين الإنصاف، والعدالة في الحكم ونصرة المظلوم، ثم ترى هذا الكم الهائل من الافتراء والكذب والتضليل، والانحطاط والتخوين والاتهام بالباطل، والفجر في الخصومة، وما عليك إلا أن تقرأ فقط عناوين الصحف وبرامج التلفاز لتعلم زيف الدعاوى ومدى مستوى الانحطاط الذي وصل إليه بعضنا.
وعلى المستوى الشخصي انظروا في قضايا الرشوة، والفساد، والغش التجاري وشراء الذمم. وسرقة المال العام، والمحسوبية والأنانية والأثرة.. هل كل هذا يمكن أن يفعله المسلمون؟
إن هذا الانفصام بين الالتزام الظاهر بالإسلام وبين الانفكاك والتفلت الظاهر أيضا عن أوامره الأخلاقية والتعاملية جرأ بعض الناس أنّ يكتب ويقول: إن المجتمعات المسلمة – للأسف- أصبحت هي الأكثر فساداً في الإدارة، والأكثر كذباً في السياسة، والأكثر هدراً للحقوق، والأكثر اعتداء على الحريات.
وفي كتابه “العرب.. وجهة نظر يابانية”، قال المستشرق الياباني “نوتوهارا” ـ والذي عاش في بلاد العرب قرابة الأربعين سنة ـ عن العرب: “إنهم متدينون جداً، ولكنهم أيضا فاسدون جداً”.
أعود مرة أخرى وأقول لكم: إنّ العبادة الشعائرية لا تنفع أصحابها ولا تؤتي ثمرتها إلا إذا صحت العبادة التعاملية، ويكفي لتعلم صحة ذلك أن تقرأ حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال للصحابة: [أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ فقالوا: المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إنّ المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة؛ بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم؛ فطُرِحَتْ عليه، ثم يُطْرَحُ في النار].
كلام واضح كالشمس لا يحتاج إلى أي تعليق سوى أن نقول: نعم.. إن “الدين المعاملة”.
فصلى الله وسلم وبارك على من كان خلقه القرآن.
أقرأ التالي
2025-05-04
ذكاء زوجه في منع زوجها من التدخين
2025-05-03
البلشي نقيباً لولاية ثانية… مسيرة بدأت بالحقوق وتُستكمل بالتحرير”
2025-05-02
بين جدران “الأمان”: طفولة مُغتصبة.. والمؤبد يطفئ جزءًا من صرخة الإنسانية!
2025-05-01
مشيرة موسى تكتب ” عقوبة التجريس “
2025-04-30
الإخوة والأخوات
2025-04-30
نهاية الإمبراطورية الأمريكية على يد الأحمق.. تور امب
2025-04-29
الأوقاف في الإسلام واشراقاتها الحضارية ” اوقاف النساء “
2025-04-29
فندق Triumph Plaza Hotel بمصر الجديدة يفتح أبوابه لاستقبال النسخة الرابعة من مؤتمر EPSF Conference
2025-04-28
نفوس وأرواح مهشمة
2025-04-26
توجيهات عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عامله أبي موسى الأشعري في القضاء
زر الذهاب إلى الأعلى