مقالات
الغربة والحنين هي من تقف وراء موت المبدع العراقى
د.صالح العطوان الحيالي
الابداع قدر ابناء العراق المتجذر فيهم منذ ان خلق الانسان وبدأ التدوين ، النور الذي قدمه ويقدمه العراق الحضاري للبشرية يواجه بقوى الجهل والتخلف والظلام ، الامر الذي يضع المبدع العراقي امام خيار واحد لاغير وهو الاغتراب ، الاغتراب هو حل للنفوس التي تعانق بكبريائها السماء ، الاغتراب هو من يقف وراء اغتيال المبدع العراقي الذي يصيبه المرض جراء الحنين الى دجلة والفرات وباسقات النخيل ، الحنين الى جايخانة العكد ولعبة المحيبس والجوبي والى مفردة (هاي وين رايح) ( شكو ماكو)، ( شلونكم اغاتي )، الحنين الى المقاهي والنواعير ، الى ( المسناية)، و ( الجرداغ)، الحنين الى خبز العروك ، وكعك السيد ، والى شارع ابو نؤاس ، والرشيد ، لم يكن المبدعين العراقيين هم الوحيدين الذين أجروا على مغادرة ارض العراق التي هاموا بها عشقا حالهم كحال قادة الجيش الذين ضحوا بدمائهم دفاعا عن العراق ، الغربة و الحنين هما اللذان يقفان وراء اصابة المبدع الكبير كريم العراقي بمرض عضال ، وهما من يقف وراء مرض السياب بالسل ، وهما من يقف وراء قتل المتنبي والحلاج وعبد الرزاق عبد الواحد والبياتي ، وسيقف وراء موت واغتيال المبدعين خارج الوطن .
الحسين ابن منصور الحلاج ، ولد بمدينة “واسط” العراقية، انتقل “الحلاج” للعيش مع والده بالعاصمة بغداد، ثم انتقل إلى مكة، واعتكف بالحرم المكي لفترة طويلة، حيث تعبد وتصوف لسنوات، ومن مكة انتقل للهند
تعددت الروايات والقصص حول تحير الكثيرون من أدباء العرب على مدار أكثر من 10 قرون على وفاة الحلاج عن اسباب ،و كيفية مقتله، هل قُتل شنقًا، أم صُلب حيًا حتى الموت، أم قُطعت رأسه؟
اجمل قصائده :
(الله ما طلعت شمسٌ ولا غربت إلا و حبّـك مقرون بأنفاسي
ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهــم
إلا و أنت حديثي بين جلاسي
ولا ذكرتك محزوناً و لا فَرِحا إلا و أنت بقلبي بين وسواسيولا هممت بشرب الماء من عطشإلا رَأَيْتُ خيالاً منك في الكـاسولو قدرتُ على الإتيان جئتـُكم سعياً على الوجه أو مشياً على الرأس).
أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكِندي الكوفي والمشهور بالمتنبي . ولد في كِندا في منطقة تسمى الكوفة – العراق ، ذهب إلي دمشق مع والده.
قتلته القصيدة التي يقول فيها “الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ”، عندما وقف في مواجهة قطاع الطرق بقيادة فاتم الاسدي ، لذلك يُعرف المتنبي بأنه المقتول بشعره، ويقال عنه كذلك بين الشعر الذي تسبب في موت .
قصيدته في عشق بغداد :
بغداد أنت نجوم الليل والظلمِ
بغداد أنت شفاء العين من رمدٍ
بغداد أنت لقاء الله بالأممِ
طردت منك لكن لا أودعك
بغداد أنت انبراء الروح من سقمِ
الشمس أنت فضاء الدوح مبتهجٌ
أو جنة الجنات أرضها علمي
بغداد أنت دواء القلب من عجزٍ
بغداد أنت هلال الأشهر الحرمِ
بغداد أنت هوى العصفور مهجته
كالريح تعزف ألواناً من الحلمِ
شتان أنت سوى حلمٍ شغفت به
ذا الحلم كالموت مريحٌ بعضه يلمِ
بغداد كوني للحوادث ضيغماً
للموت بعد حياةٍ فيه منتقمِ
قد كان ما أصبو بالله لي هدفاً.
شتان ما أصبو والله أن يسمِ
أصبو الحياة بعيداً عن مساوئها.
إنّ الحياة خمارٌ برقعٌ دلمِ
بغداد تصرخ والأعراب يشغلها
حكم العبيد بعيد العزّ والكرمِ
بدر شاكر السياب ، ولد في البصرة – العراق ، تنقل بين بيروت وباريس ولندن من أجل العلاج من مرض السل، ورحل يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول 1964 في مستشفى في الكويت تاركا خلفه إرثا شعريا كبيرا. تمسك شاعرنا الراحل بالحب وهو على سرير الرحيل والألم.
اللافت هنا أن الشاعر بدأ اغترابه الشعري ، أي اغتراب جغرافي ، أي أنه بعيد عن وطنه العراق ، لذلك أعلن أنه بعيد عن العراق وغاب عن وطنه في بيروت.
قصيدة عشقه وهيامه بوطنه العراق :
(صوت تفجّر في قرارة نفسي الثكلى: عراق
كالمدّ يصعد، كالسحابة، كالدموع إلى العيون
الريح تصرخ بي عراق
والموج يعول بي عراق، عراق، ليس سوى عراق
البحر أوسع ما يكون وأنت أبعد ما يكون
“أحببت فيك عراق روحي أو حببتك أنت فيه).
عبد الرزاق عبد الواحد ، ولد في محافظة ميسان ( العمارة )- العراق ، تُوفيَّ في العاصمة الفرنسية باريس صباح يوم الأحد 26 محرم 1437 هـ الموافق 8 تشرين الثاني 2015م، عن عمر ناهز 85 عاما ودُفن في العاصمة الأردنية عمان بحسب ..
قصيدة له وهو يحاكي العراق :
( ما تشا يا عراق لا ما أشاء، أنت أبقى والمجد والكبرياء، أنت أبقى وكل حبة طلع، فيك أبقى وتذهب الأسماء).
هكذا اختتم الشاعر العراقي عبد الرازق عبد الواحد حياته، الأحد، برسالته إلى بلده العراق، عبر صفحته على تويتر، عن عمر ناهز الـ 85 عاماً في العاصمة الفرنسية باريس.
عبد الوهاب البياتي ، احد مؤسسي مدرسة الشعر الحديث مع السياب ونازك ، اقام الشاعر في عمان في اعقاب حرب الخليج وعبر عن رغبته في الانتقال الى دمشق حيث اقام فيها الى ان وافته المنية ، كان يعاني مرض الربو المزمن توفي بالسكتة القلبية .
من قصائده :
(للوطنِ المدهوش في زوبعة الأوراق
للوطن المسكون بالعشاق
للوطن الضارب بالجذور في الأعماق
لشاعر تحوم حول وجهه المضاء
فراشة بيضاء
لكتب الأسفار
والليل والنهار
تطلّعَ الحلاج
مفترشاً “دجلة” في الخريف والقباب والأبراج
وخبَّأَ الرأس الذي أُحرق بعد الصلب في الأمواج).
لن ينتهي النفي والاغتراب والاغتيال الذي يطال الابداع والمبدعين .
من مقالة للدكتور فالح حسن شمخي