مقالات
عثمان بن عفان المعطاء السخي رضي الله عنه
د.صالح العطوان الحيالي
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن لؤي بن غالب بن فهر العدوي القرشي، ولد بمكة بعد عام الفيل بست سنين. ولد غنيا شريفه في الجاهلية وكان من انسب قريش لقريش.اسلم عثمان في أول الإسلام قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وكان عمره قد تجاوز الثلاثين سنة، دعاه ابو بكر للإسلام وقال له:( ويحك يا عثمان انك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، هذه الأوطان التي يعبدها قومك أليست حجارة صماء لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع؟ فقال:بلى .انها كذلك، قال أبو بكر: هذا محمد بن عبد الله قد بعثه الله برسالته إلى جميع خلقه، فهل لك أن تاتيه وتسمع منه؟ فقال نعم وفي الحال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ياعثمان اجب الله إلى جنته فإني رسول الله إليك وإلى جميع خلقه، قال: فوالله ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله.
كان عثمان مليح الوجه أبيض اللون عرف بسخائه وجوده، ورقة طبعه، ورجاحة عقله، وحزمه. وهو من سادات بني أمية اهل المال والكرم والجود. ورث عثمان من أبيه عفان مالا عظيما، فنشأ تاجرا غنيا سمحا بالبيع والشراء، معينا للفقراء. وكان في قومه وجيها محبوبا فيهم، وهو من أعلم قريش بالأنساب، وأفضلهم رأيا، فكانوا يستشيرونه ويأنسون برأيه.
ما سجد لصنم ولا وقع بفاحشة ولا شرب الخمر قط، لا في الجاهلية ولا في الإسلام.
تعرض الى التعذيب على يد عمه الحكم بن أبي العاص، فكان يأمر عبيده ليمسكوا بعثمان، ويربطوه بالسلاسل وهو يصرخ في وجهه:” أترغب عن ملة آبائك، الى دين محدث، والله لا أحلك أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين فيقول:” والله لا أدعه أبدا”
وهو رابع من أسلم من الرجال، وكان من المهاجرين السابقين والمبشّر بجنة نعيم. وكان من كتّاب الوحي الأمين.
صهر النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، جامع القران، وهو ابن بنت عمته، يكنى بأبي عبدالله ولده من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقب بذي النورين لانه لم يجمع بين ابنتي نبي منذ خلق ابن ادم إلى أن تقوم الساعة غير عثمان بن عفان رضي الله عنه .
هاجر عثمان مع زوجته إلى الحبشة، وهاجر الى المدينة المنورة تاركا أمواله وثراءه وتجارته. آخى النبي بينه وبين أوس بن ثابت أخي حسان شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبدأ عثمان تجارته مرة اخرى منذ وصوله المدينة المنورة، فربح وأثرى.
شهد المشاهد كلها مع رسول الله إلاّ بدرا. سارع إلى الخروج إلى بدر، لكنّ رسول الله أمره بالبقاء جانب رقية وهي تجود بأنفاسها وهي تتلهف لرؤية أبيها، الذي كان مع أصحابه، لإعلاء كلمة الله، وقد ضرب له النبي سهمه وأجره، فشاركهم في الغنيمة والفضل.
وكان عثمان مبعوث النبي صلى الله عليه وسلم الخاص الى قريش في صلح الحديبية. وتسربت شائعة ان عثمان قتل فدعا الرسول الصحابة على مبايعته لقتال المشركين. وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى:” هذه يد عثمان” فضرب بها على يده. وكان تحت الشجرة مع 1400 صحابي ممن رضي الله عنهم بقرآن يتلى ﴿۞ لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾الفتح الآية ١٨
بعدما استعد ملك الروم للزحف إلى المدينة، نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للجهاد، وكان الصيف حارا، والبلاد تعاني الجدب والقحط…فحث الرسول الكريم إلى التبرع لتجهيز جيش العسرة (غزوة تبوك) ونظر إلى الصفوف الطويلة فقال:” من يجهز هؤلاء ويغفر الله له”فسمع عثمان النداء فوجدت العسرة عثمانها المعطاء، فقدم عثمان لجيش العسرة تسعمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وخمسين فرسا، وجاء إلى رسول الله بعشرة آلاف دينار صبها بين يديه صبا فقال:” ماضر عثمان ما عمل بعد اليوم” مرتين.
ولم يكن في المدينة ماء يستعذب غير بئر رومة، فاشتراه عثمان بعشرين ألف درهم وسبّله للعطشان والفقير وابن السبيل.
وبعدما كثر المسلمون وضاق بهم المسجد النبوي رغب النبي الكريم بعض أصحابه أن يشتري قطعة الأرض التي جنب المسجد ليوسعه، فدفع عثمان 25 ألف دينار ثمنا لها.
ومنذ أسلم عثمان ما تأتي عليه جمعة إلا أعتق فيها رقبة، فإن لم يجدها جمعها في الجمعة الثانية.
عثمان ثالث الخلفاء الراشدين، وكان عهده عهد رخاء على المسلمين، وقد توسعت الدولة الإسلامية زمنه كثيرا، ففتحت الإسكندرية وباقي مصر، وأرمينيا، وأفريقيا، والنوبة، وكرمان وخراسان وسجستان من بلاد فارس، وهو أول من بنى اسطولا بحريا لحماية السواحل الإسلامية من هجمات الروم.
لقد ولى عثمان لهذه الفتوح والبناء أدق الناس انضباطا، وأشجعهم في الحرب انتصارا، وأكثرهم في الإدارة والعمران نجاحا، وما ولى أحدا من أبنائه، ولم يول أحدا من أقاربه غير الذين ولاّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المصادر
مروج الذهب للمسعودي
تاريخ الطبري
الكامل في التاريخ لابن الاثير
صفوة الصفوة لابن الجوزي
حسن المحاضرة في اخبار مصر والقاهرة للسيوطي
فضائل الصحابة لابن حنبل