محاولة فصل حقوق الإنسان عن السياسة هي كمحاولة فصل الملح عن البحر، فعلاقتهما المتداخلة أمر واقع لا فكاك منه، وفصل أحدهما عن الآخر عملية معقدة كمحطة تقطير ماء البحر ينتج عنها الماء العذب. التداخل بينهما منطقي، فالسياسة تتعامل مع الإنسان كونه موضوعا لهيكل بناء القوة في المجتمع، وحقوق الإنسان تتعامل مع الإنسان، كونه قيمة مطلقة لا يمكن تحييدها، أو تهميشها في حلبة صراع القوة المدمر للإنسان. لا تختلف حقوق الإنسان إلا في طبيعة الأنظمة القائمة وقدرتها على استيعاب لحظات التحول التاريخي في العالم (ما يزيد على 70 دولة جرت فيها تحولات جذرية)، واتساق التحول السياسي مع القيمة المطلقة للإنسان. وفي هذا الإطار هناك تلكؤ وجمود لا تخطئهما العين أن انخراط الناشط السياسي في العمل الحقوقي، حتى وإن كان لغرض سياسي، يؤدي تدريجيا إلى تغيرات من حيث الوعي. فالعمل الحقوقي يتعامل مع مبادئ شبه ثابتة، بينما العمل السياسي يتعامل مع تفاصيل متحولة. ذلك يعني أن الانخراط السياسي البحت في العمل الحقوقي، وبالأخذ في الاعتبار آثاره السلبية على المدى المنظور والقصير، يتحول تدريجيا في استيعاب المنظور الحقوقي، ومن ثم يبدأ السياسي بالتغير التدريجي. من المهم التعامل مع حقوق الإنسان بوصفها عملية طويلة الأمد معنية بتكوين وتشكيل ثقافة، وليس بتحقيق مكاسب آنية على الأرض، كما هي العملية السياسية. كذلك فإن التحولات المؤسسية الدولية والمعرفية الخاصة بحقوق الإنسان تؤثر بشكل مباشر على النشاط الحقوقي والسياسي وتداخلهما في الخليج. فالتطور الهائل دوليا، ولا أقول غربيا، سواء على مستوى المؤسسات أو الاتفاقيات أو التطور المنهجي والمعرفي، وبالذات في الجامعات ومراكز البحث المتخصصة. وبروز نشاط دولي ممنهج للمنظمات الدولية غير الحكومية، جعل من مجال حقوق الإنسان تخصصا يتجاوز في معطياته مجرد نيات طيبة لدى البشر، إذ صار لزاما على من يريد أن يكون حقوقيا فاعلا، استثمار الوقت والجهد والمال لكي يغدو متمكنا من التعامل المعرفي مع تلك التحولات. كذلك عليه أن يستوعب أن يكون الكثير مما يقوم به من نشاط لا يجد طريقه للإعلام، وهي مسألة لا يقدر عليها الناشط السياسي؛ إذ يرتكز الكثير من نشاطه على إطلاق التصريحات أو اتخاذ المواقف السياسية. أما الإشكالية الأصعب فتكمن في اتخاذ مواقف حقوقية متجردة من الأحداث المتسارعة على الأرض، وأي شطط عن ذلك يخرج ذلك الناشط من المنظومة الحقوقية إلى المنظومة السياسية، وهو اختبار – بسبب تسارع الأحداث وارتباطها بالمسافة الحرجة بين ما هو حقوقي وما هو سياسي – رسب فيه كثيرون، فاتخذوا مواقف سياسية لا حقوقية، ولكنها في نهاية الأمر محطة في تاريخ التحولات، ستحسم أمرها مع الوقت، فينفرز السياسي عن الحقوقي وتظل العلاقة بينهما تحكمها أصول التحول الديمقراطي.
أقرأ التالي
2025-05-04
ذكاء زوجه في منع زوجها من التدخين
2025-05-03
البلشي نقيباً لولاية ثانية… مسيرة بدأت بالحقوق وتُستكمل بالتحرير”
2025-05-02
بين جدران “الأمان”: طفولة مُغتصبة.. والمؤبد يطفئ جزءًا من صرخة الإنسانية!
2025-05-01
مشيرة موسى تكتب ” عقوبة التجريس “
2025-04-30
الإخوة والأخوات
2025-04-30
نهاية الإمبراطورية الأمريكية على يد الأحمق.. تور امب
2025-04-29
الأوقاف في الإسلام واشراقاتها الحضارية ” اوقاف النساء “
2025-04-29
فندق Triumph Plaza Hotel بمصر الجديدة يفتح أبوابه لاستقبال النسخة الرابعة من مؤتمر EPSF Conference
2025-04-28
نفوس وأرواح مهشمة
2025-04-26
توجيهات عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عامله أبي موسى الأشعري في القضاء
زر الذهاب إلى الأعلى