سياحه وآثارمقالات

بسام الشماع يكتب المومياء في التابوت

منذ سنوات قليلة بدأت حركة تجديدية مؤثرة و ايجابية في عالم المتاحف و المصريات لها علاقة بالمبادئ الأخلاقية و الإنسانية تنقد و تعيد تقييم عملية عرض جثامين الموتي المصريين القدماء و التي يطلق عليهم لفظ “المومياوات”
و أرتبطت الحركة بفكرة ايقاظ ضمير الناس للنظر للجثامين كبشر و بقايا بني آدمين، و حثهم لسلك درب أكثر احتراما للموتى
و أكثر تبجيلا للبشر بحيث لا يتم عرضهم في فتارين كأثار أو حجر ، بل و منع و ايقاف عرضهم في المتاحف للزائرين لأنهم بشر،و احتراما لهم يجب علينا ألا نعرضهم للعامة.
و جاءت هذه الحركة مواكبة لما أبديته من اعتراض في عام ٢٠٠٦ عندما دشنت حملة “العودة للأبدية” في محاولتي لاقناع هيئة و وزارة الآثار بارجاع الموتى لتوابيتهم و مقابرهم كما أراد أجدادنا أنفسهم.

بدأ عدد من العلماء الأجانب و المصريين الاجلاء التعامل مع هذا المبدأ بشكل جدي و ايجابي و تناول موضوع موتى الماضي كبشر يجب أن نبجلهم و ليس كأثر أو جسد متحجر يعامل معاملة الخشب، و الحجر، و الجماد.
و من الغريب ،انه عندما سأل رواد احدى المتاحف الأجنبية عن امرأة مصرية محنطة و معروضة تُعرف باسم إرتيرو، وجد الباحثين أن الكثيرين “لم يدركوا أنها كانت شخصًا حقيقيًا”، و بالتالي هذا يدحض فكرة عرض المومياوات لكي يتعلم الناس و لأسباب علمية.
و في الحقيقة أنا لم أفهم ما هي الفائدة العلمية و الاستفادة الرائعة طبيا التي سوف يجنيها زائر متحف عند مشاهدته لجثمان محنط و أخذ صورة شخصية سيلفي بمجموعه معه!
و على عكس مؤيدوا الحركة ، قال المتحف البريطاني في لندن إنه “لم يحظر استخدام مصطلح “مومياء” وما زال مستخدمًا في صالات العرض لدينا”،و قال عالم هناك : ولكنه يفضل المصطلح “بقايا المومياء” ونخطط لاستخدامها في المعارض المستقبلية احتراما لإنسانية المصريين القدماء، و قد اتخذ متحف سيدني خطوات أكثر من رائعة و محترمة بصدد نقل البشر المحنط إلى الداخل و إيقاف عرضهم للزائرين،و ذلك بعد دراسات و استبيانات عديدة لرأي الناس. و كان من ضمن الأسئلة المطروحة إبان السنوات القليلة الماضية و حتى الآن هو :
هل يجب إزالة مصطلح “المومياء” من المتاحف؟ و كانت العبارات و التصريحات تؤكد ان هذا المصطلح قد “يقوض إنسانية” الموتى.و أؤكد أن لفظ مومياء قد “ميع” طريقة تعاملنا و فهمنا عبر الأجيال لهؤلاء الموتى القدماء المساكين، و جعل عرضهم عرايا في بعض الأحيان و تعرضهم للأشاعات المقطعية
و السينية و أخذ عينات من أجسامهم الرقيقة بدعوى البحث العلمي أمر بسيط، بحيث انه يحدث ولا يعترض أحد.و قد عانيت كثيرا من أجل توصيل فكرتي و احترامي للموت للجميع و لكن الآن اجني ثمار مجهوداتي.
و من الجميل أن قامت و تقوم بعض المتاحف البريطانية بإلغاء كلمة “مومياء” تدريجيًا من معروضاتها، وتختار بدلاً من ذلك مصطلح “شخص محنط”.
و لكن يتساءل أحدهم في مقالة : لماذا تقوم المتاحف بهذا التحول؟ لقد تم تصوير المومياوات من خلال الثقافة الشعبية والترفيهية على أنها “وحوش خارقة للطبيعة”.انظر للأفلام و كيفية عرضها للمومياوات دائما على أنهم كائنات شريرة
و قاتلة و هشة و غاضبة.
ويقول بعض الخبراء إن الأساطير حول “لعنة المومياء” تقوض إنسانية هؤلاء الأفراد المتوفين. بمعنى آخر، المومياوات هي أشخاص أيضًا، لكن الزوار من كثرة تأثرهم بطريقة تقديم الموتى.

وقال العالم آدم جولد ووتر لشبكة CNN عن جثمان سيدة محنطة أنها: “إنسانة حقيقية كانت على قيد الحياة ذات يوم ولديها اعتقاد محدد للغاية حول كيفية التعامل مع جسدها بعد الموت”.
لم يغب عن المتاحف أن الصور يمكن أن تتشكل من خلال أيديولوجيات عفا عليها الزمن. يؤكد عالم أجنبي”إن الجوانب المهمة لمجموعاتنا والطريقة التي نعرضها بها قد تم تشكيلها من قبل الإمبراطورية والاستعمارية”.
وقال متحدث باسم المتحف الوطني في اسكوتلاند لشبكة CNN بشان الجثامين المحنطة :‏ “التفكير والأفعال كانت مبنية على مفاهيم عنصرية وعنصرية للعالم”.
‏”We are reflecting on how‏ ‏we represent imperial‏ ‏and colonial pasts to our‏ يفضل المصطلح “بقايا المومياء” وتخطط لاستخدامها في المعارض المستقبلية احتراما لإنسانية المصريين القدماء.
و لكن لماذا يعارض النقاد لهذه الحركة، وعلى عكس الآخرين، قال المتحف البريطاني في لندن إنه “لم يحظر استخدام مصطلح
” المومياء “، ولا يزال قيد الاستخدام في جميع أنحاء العالم”.
ويعتقد أن مصطلح “مومياء” مشتق من الكلمة العربية “موميا” التي تشير إلى مادة البيتومين المستخدمة في تحنيط الجثث، والتي اعتمدها الأوروبيون فيما بعد في القرن السادس عشر عندما تم اقتناء الكثير منها. تم استخدامه فقط ككلمة للشخص الميت.
و قد تبنت الثقافة الأوروبية و الغربية هذا المصطلح.
يقول جيريمي بلاك، مؤلف كتاب “الموروثات الإمبراطورية: الإمبراطورية البريطانية حول العالم”: “عندما تنعزل المتاحف عن الثقافة الشعبية، فإنها تظهر ازدراء لكيفية فهمنا جميعًا للكلمات والمعاني والتاريخ”. ويضيف: “سيكون من الأفضل التركيز على المساعدة في خلق بيئة تشجع الجميع على زيارتهم بدلاً من استرضاء الأقلية التي تشير إلى الفضيلة”.
و يقول أخر، على الجانب الآخر من النقاش، يرى البعض أنه بدلاً من تغيير المصطلحات، لا ينبغي عرض المومياوات في المتاحف على الإطلاق. وهذا يمكن أن يحارب “الميل إلى التعامل مع المومياوات كأشياء، أو سلعة قابلة للاستغلال في الصناعة أو الترفيه”، كما جادل المؤلف جيسون كولافيتو في عمود بشبكة سي إن إن.
وأكد متحف أرنا بونتيمبس في لويزيانا أن “العديد من المومياوات القديمة تُعرض حاليًا بطرق غير محترمة”. “تعيد المتاحف النظر في استخدام المومياوات في هذه المعروضات، وتتساءل عما إذا كانت مقدسة للغاية بحيث لا يمكن عرضها”. ويعترف الجدل الدائر حول أخلاقيات عرض المومياوات بأن قدماء المصريين كانوا يعتقدون أنه “إذا تم تدمير الجسد، فقد تفقد الروح”.
وفي عام 2020، قام متحف بيت ريفرز في أكسفورد بإزالة مومياء، إلى جانب بقايا بشرية أخرى مثل الرؤوس المنكمشة، من معروضاته. وقال المتحف إن قرار إزالة الرفات البشرية كان محاولة “لإظهار احترامنا للمجتمعات التي نعمل معها حول العالم”.و يتساهل اخر:
هل ينبغي حقًا عرض المومياوات المصرية القديمة في متاحفنا؟ يزعم البعض أن الرفات البشرية لا يجب أن تُعرض أبدًا، لكن الخبراء وأمناء المعارض يجادلون بأن ذلك ضروري، كما كتب التلغراف. شارلوت ليتون على 5 فبراير 2023.
أعلنت مجموعة كبيرة من المتاحف في جميع أنحاء بريطانيا مؤخرًا أنها ستتخلى أو تقلل من استخدامها لكلمة “مومياء” لصالح “الأشخاص المحنطين”، سعيًا للهروب من الآثار “التجريدية” لمصطلح عمره أربعة قرون على الأقل.
وفي مدرسة رود آيلاند للتصميم، نُقلت المدعوة “نسمين”، وهي كاهنة مصرية عمرها 2300 عام، في عام 2018 من العرض إلى التابوت.
وصل الإذلال الشديد الذي تعرض له البشر المصريون القدماء، الذين يطلق عليهم المومياوات، إلى مستوى سلوك غير إنساني عندما قام فناني القرن السادس عشر، بتحويل مزيج من المومياء والمر myrrh إلى لون و صبغة طلاء جديدة: “بني المومياء” mummy brown colour ، واستخدامها لرسم و لتلوين اللوحات الفنية.هذا حدث بالفعل يا سادة، و أتساءل :أي مرض نفسي هذا لشخص لا يحمل ادنى صفات الإنسان يعطي لنفسه الحق في تلوين لوحة فنية يرسمها مستخدما بقايا إنسان مطحونة ؟!
مؤرخة فنية ومنشئة لجولات فنية ، قالت: “لا مكان للبقايا البشرية في المتاحف مهما كانت الظروف. أعتقد أن فكرة أن يكون لدينا جسد معروض كقطعة فنية هي شيء، أعتقد أننا بحاجة إلى الجلوس مع انفسنا و التساؤل: لماذا يعد ذلك مناسبًا؟
ويعترف دانييل أنطوان، أمين قسم مصر والسودان في المتحف البريطاني،بمبدأ التغيير و عدم عرض الرفات قائلاً: “لقد كنا نفكر بعناية في عرض الرفات البشرية لفترة طويلة”. ولكنه يضيف أن المصلحة العامة قوية بالقدر الكافي لتركهم حيث هم ــ على الأقل في الوقت الحالي.
الجدير بالذكر أن المتحف البريطاني يمتلك 140 مومياء – ويحتوي على أكثر من 6000 نموذج من الرفات البشرية في المجمل.
وفي عام 2008، قالت سانشيتا بالاشاندران، المدير المساعد والمحافظ في المنشأة، إنها عملت لأسابيع لمحاولة استقرار حالة مومياء لأنثى قظيمة من مصر . قالت بالاشاندران: “لقد قضيت الكثير من الوقت معها فقط، وقمت بتطوير علاقة شخصية مع إنسان، مع شخص ما”. ونتيجة لذلك، قالت إن مشاعرها تجاه العرض العلني للمومياء قد تطورت. وقالت: “أعتقد أن الناس يشعرون بالانزعاج الشديد عند رؤية شخص حقيقي ملقى هناك”. قالت بالاشاندران إنها متضاربة بشأن العرض وأصبحت تدريجيًا أكثر حماية لمومياء جوتشر. قبل أن يغلق وباء كورونا المتحف، “..كان الناس يأتون ويلتقطون صور سيلفي لها، أليس كذلك؟ وأود أن أقول: “أتعلم، إنها لم تمنحك موافقتها على التصوير”. لذلك لا يمكنك فعل ذلك”.
و هذا يذكرني بسائحة أجنبية في مجموعة سياحية كنت أرشدها، هرعت تجاهي خارجة من غرفة المومياوات في المتحف المصري بالتحرير من مدة و هي تجهش بالبكاء من جراء انفعالها لرؤية المومياوات لموتى محنطين في فتارين زجاجية، أخرى رفضت الدخول من الأصل .
.ألم يحن الوقت أن نرجع الموتى القدماء لقبورهم في احترام و تبجيل؟
و هذا لن يؤثر على دخل السياحة نهائيا ،فالسائحين لم يسألوني عن زيارة المومياوات خلال ٣٨ عام في الإرشاد السياحي بنسبة تعلو على ال ٩٥%.و نحن لا نجد الاميريكان يخرجون رفات رونالد ريجان أو كنيدي لدراستهم،أو الفرنسيين يخرجوا نابليون إلخ .

أقول و أكرر ان عرض الموتى حرام كما أكد
شيخنا المبجل جاد الحق علي جاد الحق والأمام الأكبر للأزرق الشريف في فتواة، و هكذا قال أ.د الشيخ المعمم الأزهري المسير.
أطالب و أقترح
أعادة دفن الأموات في مقابرهم التي خصصها لذلك .و لدينا في الإسلام : أماته فأقبره. و قد بعث الله تعالى لنا طائر الغراب ليعلمنا دفن الميت و ليس لوضعه في فاترينة لقاء ثمن تذكرة.
المومياء بشر،بني آدم،و ليس حجر أو تمثال.
لزاما أن تحترموا المصري القديم نفسه و قد كتب في نصوصه أن من يدخل مقبرته يدنسها.
عرض عالم مصريات للأسف جسد توت عنخ إمن عاري تماما عندما أخرجه من التابوت أمام كاميرات و صحافة العالم في مقبرته بوادي الملوك.
تم العبث بالأجساد بحجة الدراسات العلمية.و إذا كنا لا نحنط الآن، فما فائدة كل هذه الانتهاكات الغير آدمية ؟ و أتساءل
لماذا لا يعرض الايطاليين أجساد نيرون و يوليوس قيصر ألخ،و هكذا مع نابليون و اينيشتاين و نيوتن؟
متحف سيدني باستراليا قرر إزالة الأجساد البشرية من العرض و عدم استخدام كلمة مومياء أصلا، و هو قرار رائع.
الملك فؤاد و السادات منعا عرض الموتي في المتاحف.
أرجعوا الموتى إلى مدافنهم و احترموا حرمة الميت.
إكرام الميت دفنه.
و أخيرا ،
هل ترتضي أن تعرض والدتك في فاترينة زجاجية ليلتقط معها سائح سيلفي؟؟

المؤرخ و المحاضر الدولي بسام رضوان الشماع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى