مقالات
“تأثير مجموعة البريكس على إتفاقية البترودولار ومستقبل الهيمنة الإقتصادية العالمية”
بقلم: خالد عبدالحميد مصطفى
معاهدة بترودولار ليست معاهدة رسمية بل هي إتفاق ضمني بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية تأسس في سبعينيات القرن الماضي. هذه المعاهدة أسست نظاماً إقتصادياً يُعرف بإسم “البترودولار”، حيث تبيع السعودية نفطها بالدولار الأمريكي وتعيد إستثمار فائض أرباحها في الإقتصاد الأمريكي، بما في ذلك شراء سندات الخزانة الأمريكية.
في عام 1973، فرضت الدول العربية المنتجة للنفط حظراً نفطياً على الولايات المتحدة والدول الغربية لدعمها لإسرائيل خلال حرب أكتوبر. تسبب هذا الحظر في إرتفاع أسعار النفط بشكل حاد وأدى إلى أزمة طاقة عالمية.
في أعقاب هذه الأزمة، بدأت الولايات المتحدة في البحث عن وسائل لضمان إمدادات النفط والحفاظ على إستقرار الإقتصاد العالمي. كان الحل في التفاوض مع أكبر منتج للنفط في العالم، المملكة العربية السعودية. في عام 1945، تم التوقيع على إتفاقية كوينسي بين الملك عبد العزيز والرئيس الأمريكي أنذاك فرانكلين روزفلت، والتي أصبحت الأساس للعلاقة المستقبلية بين البلدين.
ومن تفاصيل هذه المعاهدة وشروطها الإقتصادية أن السعودية وافقت على بيع نفطها فقط بالدولار الأمريكي، مما أدى إلى زيادة الطلب العالمي على الدولار وتعزيز قيمة العملة الأمريكية. في المقابل، قدمت الولايات المتحدة للسعودية ضمانات أمنية وإستثمارية ساهمت في إستقرار النظام السعودي وزيادة الإستثمارات الأمريكية في المملكة.
أحدث ذلك تأثير على الإقتصاد العالمي
حيث تم تعزيز الدولار مما أدى ذلك إلي زيادة الطلب على الدولار الأمريكي بفضل مبيعات النفط، مما جعله العملة الإحتياطية الرئيسية في العالم.كما ساهم هذا الإتفاق على إعادة إستثمار السعودية لفائض أرباحها النفطية في الإقتصاد الأمريكي، مما ساهم في تعزيز السوق المالية الأمريكية. أدى هذا الإتفاق أيضاً إلى إستقرار نسبي في أسعار النفط العالمية نتيجة التعاون بين الولايات المتحدة والسعودية.
ومن الآثار الجيوسياسية لهذه الإتفاقية حيث ساعدت على إرتفاع سقف الهيمنة الأمريكية على العالم حيث أدى هذا النظام البترودولاري إلى تعزيز الهيمنة الإقتصادية والسياسية الأمريكية على الساحة الدولية. حيث أصبح للدولار تأثير كبير على الإقتصاد العالمي، مما أعطى الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً على السياسات الإقتصادية للدول الأخرى.
عززت أيضاً هذه المعاهدة من دور المملكة العربية السعودية كلاعب رئيسي في الإقتصاد العالمي والسياسة الدولية، حيث إستفادت السعودية من دعم الولايات المتحدة في مواجهة التحديات الإقليمية والداخلية.
معاهدة بترودولار كما تم وصفها ليست إتفاقية رسمية موقعة بوضوح في وثيقة واحدة، بل هي إتفاق ضمني تطور على مدى سنوات. ولكن يمكن تحديد الزمن الذي بدأت فيه هذه العلاقة بالتبلور بشكل أوضح في منتصف السبعينيات، بعد أزمة النفط في عام 1973.
هذا الاتفاق الضمني بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بشأن البترودولار لم يكن له تاريخ إنتهاء محدد رسمياً، حيث لم يتم توقيع معاهدة رسمية بوثيقة تتضمن بنوداً وتواريخ. بدلاً من ذلك، كان هذا الإتفاق جزءاً من العلاقات الإستراتيجية المستمرة بين البلدين منذ منتصف السبعينيات.
في السنوات الأخيرة بدأت بعض الدول في البحث عن بدائل للبترودولار، مثل الصين وروسيا، حيث تسعى هذه الدول إلى تنويع إحتياطياتها وتجنب الإعتماد الكامل على الدولار الأمريكي. حيث تزايدت المخاوف حول إستدامة النظام البترودولاري مع تحول العالم نحو مصادر الطاقة المتجددة وتقليل الإعتماد على النفط الأحفوري.
شهدت السنوات الأخيرة تحولاً نحو مصادر الطاقة المتجددة وزيادة في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، مما قلل من إعتماد الولايات المتحدة على النفط السعودي.
وأيضاً تحاول دول مثل الصين وروسيا تقليل إعتمادها على الدولار الأمريكي من خلال إبرام صفقات نفطية بعملات أخرى. على سبيل المثال، بدأت الصين في شراء النفط باليوان بدلاً من الدولار. وأيضاً التوترات السياسية حيث توترت العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في بعض الأحيان بسبب قضايا سياسية وإقليمية، مما أثر على طبيعة التعاون الإقتصادي بينهما.
ومن التحديات التى واجهت هذا الإتفاق ” التركيز العالمي المتزايد على مكافحة تغير المناخ” حيث يتزايد الإستثمار في الطاقة المتجددة، مما قد يقلل من أهمية النفط كمصدر رئيسي للطاقة في المستقبل.
الخلاصة: لا يوجد تاريخ محدد لانتهاء إتفاق البترودولار، لكنه يواجه تحديات وتغيرات تجعله أقل إستقراراً مما كان عليه في العقود السابقة. حيث يتوقف إستمرار هذا النظام على التطورات الإقتصادية والسياسية العالمية، والعلاقة المستمرة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
ومن التحديات الكُبرى التي واجهت هذا الإتفاق وهذه الهيمنة الأمريكية على الإقتصاد العالمي
“مجموعة البريكس” التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ومصر والسعودية والإمارات مؤخراً، حيث تشكلت ككتلة إقتصادية قوية تهدف إلى تقليص الهيمنة الغربية على الإقتصاد العالمي، خاصة هيمنة الدولار الأمريكي. مع توسع المجموعة لتضم دولاً جديدة مثل السعودية والإمارات ومصر، وبدأ يزداد تأثيرها المحتمل على إتفاقية البترودولار. حيث تسعى دول البريكس لتقليل الإعتماد على الدولار عبر تعزيز إستخدام العملات المحلية في التجارة البينية وإنشاء عملة إحتياطية جديدة للمجموعة.
أحد التأثيرات المحتملة لمجموعة البريكس على البترودولار هو التحول نحو تسعير النفط بعملات أخرى غير الدولار.
السعودية، أحد أكبر مصدري النفط في العالم، تدرس بالفعل إستخدام اليوان الصيني في تعاملاتها النفطية مع الصين. كما بدأت الهند والإمارات في تسوية تعاملاتهما النفطية بعملاتهما المحلية، مما يشير إلى بداية تحول في النظام المالي العالمي .
تأثير هذا التحول يمكن أن يكون كبيراً على الهيمنة الإقتصادية والسياسية للولايات المتحدة. فالقوة الحالية للدولار تمنح الولايات المتحدة قدرة كبيرة على فرض عقوبات إقتصادية على الدول الأخرى والتحكم في جزء كبير من النظام المالي العالمي. أي تراجع في إستخدام الدولار كعملة إحتياطية رئيسية قد يضعف هذا النفوذ الأمريكي في المجمل، حيث تسعى مجموعة البريكس لتشكيل نظام إقتصادي عالمي متعدد الأقطاب، مما يمكن أن يؤثر بشكل كبير على إتفاقية البترودولار وعلى هيمنة الدولار على الإقتصاد العالمي في المستقبل.
الخاتمة ” تظل معاهدة بترودولار واحدة من أكثر الاتفاقيات الإقتصادية تأثيراً في التاريخ الحديث، حيث أسست لنظام إقتصادي عالمي يعتمد بشكل كبير على الدولار الأمريكي والنفط السعودي. ومع التحولات الجارية في الإقتصاد العالمي، يبقى السؤال مفتوحاً حول مستقبل هذا النظام وقدرته على التكيف مع التحديات الجديدة. ومجموعة البريكس هي الأمل الأكبر في تحرير العالم من قبضة الأجندة الأمريكية وحلفائها من شياطين الغرب الذين لا طغوا في الأرض فساداً وحولوا الكرة الأرضية بأكملها إلي ساحة قتال . لعل الأمير محمد بن سلمان يفعلها ويدخل التاريخ من أوسع أبوابه لو قرأ مسيرة ورسالة أجداده المُشرّفة وحاول أن يسير على نهجهم، ناصراً للحق، قامعاً للظلم، جامعاً للشمل العربي المُمزق من خلال إلغاء هذا الإتفاق الذي صنع طواغيت الغرب ودعم مخالبهم .