مقالات

الوطن والحكومة

د. صالح العطوان الحيالي
الوطن هو مكان الإنسان ومحله. عبارة عن المكان الذي يرتبط به الفرد ارتباطا تاريخيا طويلا. المنطقة التي تولدت فيها الهوية الوطنية للفرد. فالوطن مكان إقامة الفرد ومقره والله انتمائه ولد فيه أو لم يولد.
لمفهوم الوطن مفهوم واسع لا يمكن حصره في هذا المقال البسيط. والوطن هو المكان الذي يضمن بين احضانه هو البيت الكبير الذي تستريح فيه النفس.
احببت ان اوضح في هذا المقال مفاهيم الوطن ومفاهيم الحكومة من عدة افكار وما هي واجبات الحكومة وبشكل مختصر.
يحتمل الوطن مفاهيم كثيرة فلذلك من الصعب جداً إيجادُ ذلك التعريف الذي يضم بين كلماته المفهوم الحقيقي لمعنى الوطن، حتى وإن ذُكر مسقط الرأس أو البيت أو الارتباط التاريخي أو حتى الجهةُ التي تنتمي لها الشعوب المُتمدّنة والبدائية فسيظل الأمر صعباً. وما يجعل الأمر صعباً هو أن تعريف الوطن شيء وجداني يميل إلى العاطفة أكثر من العقلانية، كما تتخلله بعض الخصائص التي ترتكز بشكل رئيسي على الحب وما يتضمنه من أشكال مثل؛ الاحترام والانتماء والفخر السياسي والاجتماعي، وقد يكون على شكل قصائدَ تتغنى بالوطن وبالدفاع عن الحرية فيه أو على شكل شعورٍ بالحماسةِ عند سماع الأغاني الوطنية.
مفهوم الوطن
ــ تتجلّى بعضُ الأسئلة أمام من يُفكّر بمفهوم الوطن؛ فهل يعد مفهوم الوطن متشابهاً عند الجميع، أم أنه يختلف عند مَن اعتاد على العيش والتنعّم بكامل المنافع الوطنية ولم يواجه الصعوبات أو المنغّصات في عيشه، عنه عند الذي تعرّض دوماً للمشاكل وواجه الكثير من الصعاب في عيشه كتأمين الاحتياجات الأساسية مثلاً، ولم يشعر بالسعادة والراحة التي يرجوها في وطنه؟ هل يمكن أن يتكون الشعور بالانتماء لوطنٍ ما لمجرد أن يتمتع الإنسان فيه بمقومات العيش الرغيد مثل الاحتياجات الأساسية أو الرفاهيات أو الشعور بالعدل أو حفظ الحقوق أو احترام ذات الإنسان فيه، وإنه لمن المؤكد أن مفهوم الوطن يختلف بين الذين يعيشون تحت خط الفقر ولا يقدرون حتى على تأمين قوت يومهم، عن الذين يعيشون في مجتمعاتٍ تتحمل فيه الحكومةُ مسؤولية مستوى المعيشة وتطبّق فيها نظام الرفاهية الذي يقوم على المساواة في توزيع الموارد.
وكما ذُكر سابقاً فتعريف الوطن قد يختلف من شخصٍ لآخر، إلا أنّ هنالك بعض التعريفات التي انتشرت حول هذا المفهوم، ومنها: الوطن هو المكان الذي يجب أن يحس فيه المرء بأن له حصة من خيره ولا يشعر فيه بالتهميش أو الظلم، حتى يتولد داخله ذلك الانتماء الذي يمكّنه من الدفاع عنه وبقناعةٍ كاملة في يومٍ ما.
الوطن هو أوسع من مجرد مكان، وهذا ما فسره د. جمال حمدان في كتابه “شخصية مصر” حيث قال فيه إن الوطن علاقة بين الجغرافيا والتاريخ، وأنه دراسة في عبقرية الزمان والمكان كما ذكرَ أنّ الوطن هو الحضارة وإبداع الإنسان عبر القرون، كما عرّج على أنّ الوطن عبارة عن مشاعر، ومن يعرف المعنى الحقيقي للوطن يتولد فيه الانتماء إليه، وتتولد عنده طاقة إيجابية تحُثّه على العمل والإنتاج والتفاؤل رغم كل الأزمات والمشاكل.
كما عرّف البابا شنودة الوطن على أنه المكان الذي يعيش فيه الإنسان منذ ولادته أو الذي يُدفن في ثراه عندما تَدقُّ فيه المَنيةُ أبوابه.
ما هي الحكومة
ــ يستخدم لفظ الحكومة للدلالة على معان عدة منها: السلطة التنفيذية وهي المؤلفة من الأفراد الذين يقومون بتدبير شؤون الدولة وتنظيم وساءل الإدارة فيها وتحمل مسؤولياتها. فهي مؤسسة تعد من أقدم المؤسسات السياسية في العالم. الحكومة هي النظام السياسيّ الذي يتمّ من خلاله إدراة البلد، أو المجتمع وتنظيمه، وهناك العديد من المصطلحات التي ترتبط بمفهوم الحكومة، مثل: الديمقراطية، والملكيّة، وتعود أصول هذه الكلمات إلى الأصول اليونانية، أو الرومانية قبل 2000 عام، ويجدر بالذكر إلى أنّ هذه المصطلحات لم تتغير، ولم تفقد معانيها إلى هذا الوقت، ممّا يعني أنّ المجتمعات لم تتغير كثيراً طوال الألفين عام وقد وصف الدكتور هارولد داميرو أستاذ الحكومة والتاريخ الحكومة بأنّها المسؤولة عن وضع السياسة العامة للمجتمع بأكمله، كما اعتبرها آلية التوجيه لمجتمع معين.
وظائف الحكومة
حفظ النظام
ــ لا يمكن للبشر أن يعيشوا دون سلطة مركزية، وبالتالي فإنّ الحفاظ على السلام الاجتماعيّ هو الهدف الأساسيّ للحكومة، وتشير ديباجة الدستور الأمريكيّ عن هذه الوظيفة بضمان الهدوء الداخليّ، وهي عبارة تصف الحكومة على أنّها شرطيّ في المجتمع.
الدفاع ضد الأعداء
ــ من مهام الحكومة الرئيسيّة حماية المجتمعات من العدوان الخارجيّ، حيث وجدت الحروب بين الناس منذ فجر التاريخ، ولكنّها تطوّرت عبر الزمن، ليصبح الصراع الآن يتضمّن قنابل نووية، ممّا يجعل الدول القوية هي الأكثر أمناً، ولكنها الأكثر خطورة.
إدارة الظروف الاقتصادية
ــ يقع على عاتق الحكومات تهيئة الظروف للنمو الاقتصاديّ، والازدهار الماديّ، ولكن ليست جميع الحكومات تقوم بذلك بشكل ناجح، كما أنّ هناك حكومات تترك قرارات السياسة الاقتصادية إلى الأسواق الخاصة، وبالرغم من ذلك يبقى على الحكومة ضبط هذه الأسواق من خلال تنظيم حقوق الملكية، وحماية المستهلك، وإنفاذ العقود، وقوانين الصحة والسلامة.
إعادة توزيع الدخل والموارد
ــ تقوم الحكومات بفرض الضرائب بهدف توزيع الاقتصاد، وبالتالي تقوم الدول باستخدام هذه الأموال في خدمة المواطنين، وعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة تعيد الحكومة توزيع الأموال من الأفراد الأكثر ثراءً إلى الأفراد الأقلّ ثراءً.
توفير البضائع الجماعية
ــ البضائع الجماعية هي البضائع التي تتملّكها الحكومة، ومن الأمثلة عليها الأمن العسكري، إلا أنّ بعض الأثرياء يستطيعون استئجار مرتزقة خاصين لحمايتهم، بالرغم من أنّها تعد فكرة غير صائبة، وعليه فمن واجب الحكومة احتكار الأمن القوميّ لنفسها.
اتخاذ الإجراءات المناسبة هناك بعض الأمور التي تتطلّب تدخّل الحكومة، مثل التلوث الناتج عن المصانع، حيث تسبّب العديد من الأضرار خاصة على السكان المجاورين لها، وبالتالي يتوجّب على الحكومة اتّخاذ الإجراءات المناسبة
روبـرت فـيـسـك هو واحد من أشهر الصحفيين البريطانيين، وأحد الذين يعرفون العرب ويخبرونهم جيِّداً، فهو يعيش مع العرب منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولا يزال يسكن في بيروت .يقول روبـرت فـيـسـك: أتعلمون لماذا بيوت العرب في غاية النَّظافة، بينما شوارعهم على النَّقيض من ذلك؟ السببُ أنَّ العرب يشعرون أنَّهم يملكون بيوتهم، لكنهم لا يشعرون أنَّهم يملكون أوطانهم. هل فعلاً شوارعنا وسخة وعفنة لأنَّنا نشعر أنَّنا لا نملكُ أوطاننا؟ إذاً ما السبب في أننا نشعر إننا لا نملك أوطاننا؟ هذا يرجع إلى سببين :
الأوَّل
ــ : أنَّنا نخلطُ بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومة، فنعتبرهما واحداً، وهذه مصيبة بذاتها . الحكومة هي إدارة سياسية لفترة قصيرة من عمر الوطن، وليس هناك حكومة تبقى للأبد، بينما الوطن هو التاريخ والجغرافيا، والتراب الذي ضمَّ رفات الأجداد، والشجر الذي شرب عرقهم، هو الفكر والكتب، والعادات والتقاليد … لهذا من حقِّ كل إنسان أن يكره الحكومة ولكن ليس من حقِّه أن يكره الوطن … والمصيبة الأكبر في الخلط بين الحكومة والوطن هو أن نعتقد أنَّنا ننتقم من الحكومة إذا أتلفنا الوطن، وكأنَّ الوطن للحكومة وليس لنا، ما علاقة الحكومة بالشارع الذي أمشي فيه أنا وأنت، وبالجامعة التي يتعلم فيها إبني وإبنكَ، وبالمستشفى التي تتعالج فيها زوجتي وزوجتك، هذه الأشياء وغيرها ليست مِلك مَن يديرها وإنَّما مِلك مَن يستخدمها … نحن – بتصرفاتنا هذه- في الحقيقة ننتقمُ من الوطن وليس من الحكومة، الحكومات تُعاقبُ بطريقة أُخرى لو كنَّا نحبُّ الوطن فعلاً
السبب الثَّاني
ــ : أنَّ ثقافة الملكيَّة العامًة معدومة عندنا، حتى لنبدو أنَّنا نعاني إنفصاماً ما … فالذي يحافظ على نظافة مرحاض بيته هو نفسه الذي يوسِّخ المرحاض العام … والذي يحافظ على الطاولة في البيت هو نفسه الذي يحفر إسمه على مقعد المدرسة والجامعة … والأبُّ الذي يريد من إبنه أن يحافظ على النِّظام في البيت هو نفسه الذي يرفض أن يقف في الطابور بإنتظار دوره … والأُمُّ التي لا ترضى أن تُفوِّت إبنتها محاضرة واحدة هي نفسها التي تهربُ من الدوام .
خلاصة القول؛ أن الحكومة ليست هي الوطن شئنا هذا أَم أبَينا، ومشاكلنا مع الحكومة لا يحلُّها تخريب الوطن. إنَّ الشعب الذي ينتقم من وطنه لأنَّ حكومته سيئة لا يستحقُّ حكومة أفضل، ورُقيِّنا لا يُقاس بنظافة حديقة بيتنا، وإنَّما بنظافة الحديقة العامَّة بعد جلوسنا فيه .لو تأمَّلنا حالنا لوجدنا أنَّنا أعداء أنفسنا، وأنَّه لا أحد يسيء لأوطاننا بقدر ما نفعل نحن وصدق القائل : “الإنسان لا يحتاج إلى شوارع نظيفة ليكون محترما … ولكن الشوارع تحتاج إلى أُناسٍ محترمين لتكون نظيفة”.
لم يكذب رئيس وزراء بريطانيا السابق ” ونستون تشرشل ” حينما قال جملته الشهيرة :” الوطن شجرة طيية لا تنمو إلا في تربة التضحيات ، و تسقى بالعرق و الدم ” .و لعل جملته هاته بالتحديد تحيلنا إلى ما يحدث الآن ببلداننا العربية جراء الصراعات الطائفية و سباق الكراسي و السلط الذي حصد في طريقه ملايين الضحايا و شرد ملايين أخرى ، إذ صاروا بين ليلة و ضحاها بلا أرض بواسطة أولئك الذين أصبحوا بلا ضمير .و أنت تقرأ هذه الكلمات .. جالسا في زاوية غرفتك أو في حديقة و حتى في مكتبة عمومية .. تذكر أن هناك من يصارع لكي يجد ملجئا يقيه حر الصيف و زمهرير الشتاء .. يقاوم به قساوة الهجرة التي فرضت عليه .. يحميه من وجع الغربة التي نزلت عليه قطعة ثلج باردة لا يعلم لها أولا و لا آخر .إن الذنب الوحيد لمثل هؤلاء أنهم يؤدون ضريبة عشق الوطن و الدفاع عنه ضد من باعوا لنا الوهم تقسيطا و جملة .. كما يفعل معظمهم اليوم .. ف ” الوطن ” مفردة تتردد في أذنيك باستمرار ، درسونا إياها في المدرسة منذ أول خطوة وطأت قدمنا إياها هذا المبنى .. قالوا أن حبه من الإيمان .. فشكل ” الوطن ” الركن السابع لإيماننا .. تعلمنا الذود عنه بضراوة ، أن نفديه بأرواحنا .. أن نطبق ما تقوله آخر جملة من النشيد الرسمي التونسي ” نموت نموت و يحيا الوطن ! ” .
تخيلت وطني شخصا عجوزا يحمل عصا قاسية ، يضرب بها رأس كل من سولت له نفسه المس بنا .. رأيت صورته وسط ذاك العلم المرفرف عاليا .. صنديدا يقاوم الرياح العاتية بشدة .. أشتم رائحته لما أعانق ابن بلدي و نحن ضيوف في بلد آخر .. أسمع صوت وطني حينما تعزف سمفونية نشيدنا الوطني ..
حاولت غير ما مرة أن أفصل بين الحكومة و الوطن .. بين الأشخاص و المرافق .. وجدتني حائرا تتراكم الأفكار لدي و تتراقص لتفصل بين الاثنين .. قادني فضولي للاضطلاع على مقال نشر بجريدة الاندبندت للكاتب البريطاني ” روبرت فيسك ” يفصل فيه انطلاقا من تجربته التي دامت أزيد من 30 سنة بالعديد من البلدان العربية التي اشتغل بها مراسلا للصحيفة المذكورة .. – يفصل – الاختلاف بين الحكومة و الوطن .. و مما ذكره باختصار أن الحكومة تتجسد في صورة أشخاص تكون لهم مهام معينة لمدة محددة ، في حين يعد الوطن مفهوما كونيا .. تمثله المرافق العمومية و الموارد الطبيعية ، ليكون بذلك الأوائل خداما للثاني وليس العكس .
” نوبواكي نوتوهارا ” الكاتب الياباني المشهور يشير في كتابه ” العرب من وجهة نظر يابانية ” الصادر سنة 2003 أن الخطأ الكبير الشائع في معظم المجتمعات العربية هو قيام المواطنين بتخريب ممتلكات الوطن انتقاما من الحكومة ، و أن السبيل الوحيد للخروج من جو السخرية التي تمارسها عليهم هذه الأخيرة يتجلى في السلوكات العدوانية تجاه البنية التحتية للموطن .
رغم ذلك لم تتغير صورتي للوطن .. فهو الذي علمني كيف يكون الانتماء .. و هو الذي أراني كيف يكون للاشتياق و الحنين معنى .. أنظر للأماكن و الشوارع ، الورود ، الأهل .. فيتبين لي وطني .. إنه ذاك الخليط من الأشياء .. من الأحاسيس .. من المشاعر .. الوطن هو الذكريات .. هو الزمان والمكان الشاهد على ولادتي .. بكل بساطة الوطن هو أنا .. و أنا هو الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى