مقالات
الحقيقة العارية
د. صالح العطوان الحيالي
عندما يتطابق قولك مع فعلك وتكون نفسك في كل الأماكن مع الأشخاص كبيرهم وصغيرهم وفي السر والعلن عندها ستدرك معنى الحقيقة وما معنى ان تكون حقيقيا.
الحقيقة من وجهة نظري هي الواقع الذي نعيشه بكل ما يحمله من معاني وبكل ما يصحبه من أفراح وأحزان وراحة وشفاء. الحقيقة هي المعاملات الطبيعية والمتبادلة في الحياة، من معاملات سطحية أو عميقة ، معاملات حميمية أو عابرة معاملات صادقة أو مزيفة .
لماذا نقول داءما ان الحقيقة عارية أو مرة ، هل لأننا اعتدنا على غيره من التزييف والكذب أو لان الحق داءما صادم وحاد ، الحقيقة هي الشيء الواقعي سواء كانت إيجابية أو سلبية ، سأنقل لكم قصتين عن مرارة الحقيقة التي ترى بمجرد منظور كاشف لكل التفاصيل فمن الممكن ان نراها ونتغافل عنها ، أو لا نراها ولا نرغب في ان نراها أو نبذل قصارى جهدنا في اخفاءها.
يروى انه في قديم الزمان كان هناك ملك قليل العقل يفتقر إلى الحكمة ، أقنعه احد المحتالين بقدرته ان يحيك له ثياب لا يراها إلا الأذكياء والمخلصين، اماً الاغبياء والخونة والحاقدين فليس لديهم القدرة على رويتها، واستمر هذا المحتال على طلب الأموال من الملك لنسج الثوب الوهمي ، حتى جاء اليوم الموعود ، وبدا الملك بالاستعداد للخروج على شعبه في موكب مهيب، أتاه الحاءك المحتال وشرع ينزع عنه ثيابه قطعة قطعة أمام وزراءه وأعوانه حتى عاد كما ولدته أمه، ثم تظاهر بانه يلبسه الثوب الجديد، لم يشعر الملك بشيء يذكر على جسده لكنه لم يجروء على الاعتراف بعدم قدرته على روءية الثوب ، وإلا كان اعترافاً منه بانه غبي ، اندهش اعوان الملك مما راو ثم ما لبثوا ان ابتلعوا الصدمة، وتذكروا ان اعترافهم بعدم روءية الثوب خيانة ، فتظاهروا جميعا بروءيتهم للثوب ، بل بإلف البعض في مدح جماله وفخامته ومهارة الصانع . اطمأن الملك لمظهره ظنا منه ان اعوانه يصدقونه القول ويرون مالا يقدر على روءيته وخرج من القصر في عربة ليطوف المدينة ، لم يصدق الناس ماروءوا ، البعض أشاح بوجهه والبعض الآخر امتعض، ولّم يجروء احد على الاعتراف بأن الملك عاري الجسد فالاعتراف معناه الموت ، مرت دقايق من الصمت تلتها بعض الهمهمات عن جمال الثوب وتصميمه ، ثم بدأت تعلو الأصوات حتى صارت هتافا للملك وحسن اختياره لمظهره . وفجاءة حدث مالم يكن في الحسبان ، ظهر طفل صغير من وسط الحشود ودقق النظر في الملك ، ثم أشار اليه باصبعه وقال: “الملك عار” ساد صمت عميق واتجهت الأنظار ناحية الطفل حتى ان والده قال بإنكار ” لمن هذا الطفل ” حتى يبعد عن نفسه تهمة الخيانة بسبب ما فعله ابنه ، لكن الصمت لم يدم طويلا وكان صيحة الطفل ايقضت العقول الناءمة وبدا الناس في استعادة رشدهم ، الملك فعلا عاري الجسد وبدات تعلو الأصوات من جديد ، لتعلن عرى الملك الذي أخذ يقود عربته مسرعا إلى قصره وهو يداري سوءته ، لم يكن أبدا ليتحمل الحقيقة ، الحقيقة العارية. وهناك أسطورة أخرى توضح الحقيقة العارية.
تقول الأسطورة ان الكذب والحقيقة تقابلوا في يوم من الأيام…فقال الكذب للحقيقة “ان اليوم جميل جدا”..فنظرت الحقيقة حولها في شك .. ورفعت عينيها للسماء فوجدت ان الشمس مشرقة وان الجو جميل ..فقررت ان تقضي اليوم فى نزهة مع الكذب ..
عاد الكذب و قال للحقيقة “ان مياه البئر صافية و دافئة فهيا بنا نسبح” .. نظرت الحقيقة للكذب فى شك للمرة الثانية .. ثم لمست المياه ..فوجدتها صافية و دافئة بالفعل..فخلع الاثنين ملابسهم و نزلوا للإستحمام ..
و فجأة ..خرج الكذب من البئر سريعا و ارتدى ثوب الحقيقة وجرى حتى اختفى .. فخرجت الحقيقة من البئر عارية و غاضبة وجرت محاولة ان تلحق بالكذب ..فلما رآها الناس عارية تضايقوا منها و أداروا وجوههم عنها ..
و هنا رجعت الحقيقة المسكينة الى البئر و توارت ..ولم تظهر مرة أخرى من شدة خجلها ..ومنذ ذلك الحين .. والكذب يلف العالم مرتديا ثوب الحقيقة..والناس تتقبله .. و في نفس الوقت يرفضون رؤية الحقيقة العارية ..