مقالات

البكبكة الشخصية 

 

 

الدكتور / حسام القاضي

ارشاد نفسي وتربوي.

 

أذكر أن المحاضر في المحاضرة الأولى في مساق الارشاد النفسي والتربوي قد أسهب في الحديث عن مدى أهمية إقناع المتعالج بضرورة التحدث عن نفسه واستخراج ما فيها من أسرار، حتى يستطيع المعالج فهم نفسيته والتعامل معها حسب ما يناسبها من نظريات تربوية ووسائل علاجية، وأذكر أنه ركز كثيرا على الحاجة الماسة للصبر على المتعالج حتى يبدأ بالحديث عن نفسه والبوح بأسراره، والتحدث عما يضايقه ويتسبب له بالإرهاق النفسي والألم المعنوي .

 

تخيلت يومها أن الحديث عن الذات صندوق مغلق يحتاج إلى دراية وحنكة ومهارة في أساليب التعامل لفتح ذاك الصندوق، واستخراج ما بداخله من أسرار، وأن آلام الناس خط أحمر ليس بالسهل الاقتراب منه أو التعامل معه، وأن أخذ المتعالج لقرار البدء في الحديث عن نفسه سيتطلب وقتا كبيرا، وجهدا عظيما في استخراج ما في أعماقه من خمائط الألم ومثالب الحزن التي حولته لبائس مكتئب غير محب للحياة ولا متصالح مع من فيها.

 

لكن ( وعلى أرض الواقع ) الوضع مختلف تماما فلست بحاجة إلا لمهارة الاستماع في التعامل مع أغلب الناس ، فالشعار المشهور في تعاملاتهم هو ( المخبى بندوق )، لا أسرار ولا خصوصيات ولا أحوال محفوظة في الصدور، كلو منشور يا سيدي، فبالكاد أن تعرف أحدهم حتى يخبرك بكل تفاصيل حياته، ولربما اشتكى اليك ولده أو زوجته أو اشتكى من والديه، ومع حرارة الفضفضة يكون الانفعال في أغلب الأحوال، ولربما حضرت الشتائم من غير عزومة، ولربما كان التطاول واللعن والقذف ضيوفا على مائدة الحديث أيضا.

 

( نعم القلوب متعفنة بما فيها )، ولو كان للحديث الخارج من الأفواه رائحة لمات الجميع من نتنها، كل الصفات السلبية مدحوشة دحشا فوق بعضها في القلوب، كره وبغضاء ونقمة وغلول وحسد وحقد وضغائن دفينة، وما يترجم منها للعلن قليل والحمد لله، حوادث وأحداث هنا وهناك، قتل وانتهاك وسلب وحرق وابتزاز ………

 

ما الدور الذي يقوم به الأكاديميون والمختصون وأهل العلم وأخصائيو الإجتماع ( فقط التوصيف )، والحلول ليست مطروحة، حتى أصبح العلاج من المرضى تخبطا، ومن البيئة فسادا وتعسفا، ومن الأهل والمحيط عنادا وتجبرا، وأنى لأحدهم أن يكتم غلول قلبه بعد ذلك، وأنى له أن يكتم سره في أعماقه، إذا فالبكبكة هي السبيل حتى لو لعابر السبيل ؟.

 

حذار أن تكتم ما في قلبك، وأن تحفظ عليك سرك، وأن تكن بمأمن من التراشقات الكلامية والهمزيه واللمزيه، فلتشار إليك الأصابع بالبنان وكأنك بطل ضرغام.

 

وليكن شعارك في الحياة : 

 

برا تفضح .. ولا جوا تسطح .

 

كرررررررررررررررررجة مي

 

     ( البكبكة الشخصية )

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى