مقالات
الذكور والرجولة
د. صالح العطوان الحيالي
الرجولة: تعني القوة والمروءة والكمال ، وكلما كملت صفات المرء استحق هذا الوصف أعني أن يمون رجلا، وقد وصف الله بذلك الوصف اشرف الخلق فقال:( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى)، والرجولة هي قوة الإيمان قبل قوة البيان، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يجتني سواكا من الاراك وكان دقيق الساقين ، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مم تضحكون؟) ، قالو يا رسول الله من دقة ساقيه فقال:” والذي نفسي بيده لهما اثقل من الميزان من اخد”، رواه احمد.
الذكورة: مجموعة من الصفات والسلوكيات والادوار المرتبطة بالفتيان والرجال، تعتبر الذكورة عموما بنية اجتماعية ، لكن بعض الأبحاث أشارت إلى الطبيعة البيولوجية لبعض السلوكيات الذكورة.
كلمات تبدو أنها متشابهة ولكنها تحمل في طياتها الكثير من الإختلاف فقد خلط الإنسان بين المعنيين في الماضي عندما كانت الحياة بدائية، وقاده هذا الى اعتبار القوة البدنية والسيطرة الكاملة على من حوله من مخلوقات سواء بشرية أو حيوانية هي في صميم الرجولة, وتعدت هذه الفكرة الى اعتبار القسوة والخشونة وعدم الإفصاح عن المشاعر سواء الحزن أو الفرح هي أيضا من مقومات الرجولة الكاملة.
إن للرجولة معنى إنساني أعمق يحتوي على كل مكنونات الإنسانية من محبة ورقة وتعقل بل وأيضا لا يتطلع الى القوة البدنية باعتبارها شرط من شروط الرجولة.
إذا أردنا أن نتأمل قليلا في الفرق بين الرجولة والذكورة لوجدنا الفرق واضحا وخصوصا أن ميزات الرجولة هي التي تضيف للرجل قيمة ومعنى واحترام أكثر مما تضيفه ميزات الذكورة
وقع من الناس اليوم خلط بين أمرين هامين ، وهما ( الرجولة والذكورة ) وإن الناس اليوم تُسَرُّ بالذكر وربما تأسى للأنثى والحقيقة أن الفرح يكون بتربية المولود على مقومات الرجولة بغض النظر عن جنس المولود ذكرا كان أم أنثى والقاعدة تقول ( كل رجل ذكر ، وليس كلُّ ذكرٍ رجلاً ) لأن الذكورة هي جنس فقط لاستمرارية الحياة على وجه الأرض كما أن صفة الرجولة قد ألبسها البعض في عصرنا الحديث ثوبَ زورٍ لا يناسبها ولا يليق بها، ووصفوها بأوصاف تترفع عنها وتأنف أن تتواصل بها إلى الناس إذ جعلوها تارة صفة للفحولة والذكورة، وتارة صفة للقدرة على الغلبة ، وتارة صفة للقدرة على ظلم الغير بغير حق، وتارة صفة على طول الشوارب وفتل العضلات، وكل هذه الأمور ليست من الرجولة في شيء فحيوان مثل الفيل أقوى منَّا بكثير،
إن الرجولةَ الحقةَ هي مواقفٌ وأخلاق الرجولة مبدأ الرجولة موقف الرجولة صدق ووضوح ….
الرجولة أخلاق ونُبْل رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة …فهي الرحمة في موضعها والشدة في موضعها والخلق الحسن حتى في أصعب الظروف والثبات على المبدأ حتى في أشد اللحظات إيلاما وتكون الرجولة في الصدق والإخلاص الرجولة هي الأخلاق التي ترفع صاحبها لمنزل القائم العابد مع قليل العمل ذكراً كان أو أنثى ففي الأدب المفرد للبخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الْقَائِمِ بِاللَّيْلِ» ,وعند ابن حبان والطبراني عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الْقَائِمِ بِاللَّيْلِ الظَّامِئِ بِالْهَوَاجِرِ» ويعبر بعض العلماء عن الرجولة بالمفهوم الإسلامي بالفتوة، والفتوة في الإسلام هي القدرة على الصفح ونسيان الألم الذي يلاقيه الإنسان من إخوانه في بعض الظروف وكذا الصفح عن زلاتهم معه ومع غيره، وهذه بعض تعريفات العلماء للفتوة: قال الإمام أحمد في تعريف الفتوة والرجولة: (ترك ما تهوى لما تخشى) فهو يراها القدرةَ على السيطرة على النفس وهواها ورغباتها وكبحَ جماحها خوفاً من الوقوع في غضب الرب الجبار سبحانه وإشفاقاً من عذاب الله تعالى ، وفيها دليل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:” ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب “
وأما الإمام الجليل سهل فهو يراها القدرة على الثبات في متابعة السنة حتى الموت فمن قدر على متابعة السنة ظاهرا وباطنا فهو الرجل،
وقال بعضهم: ” فضيلة تأتيها ولا ترى نفسك فيها ” فهو في نظرته للرجولة يؤكد على أنها فضيلة يتصف بها المرء ويراها محض فضل من المعطي سبحانه الغنى الجواد الكريم ” وما بكم من نعمة فمن الله “. وقال في موضع آخر: ” إظهار النعمة وإخفاء المحنة ” ..
ويرى بعض العلماء أن الرجولة الإسلامية والفتوة الإيمانية الحقة ، هي إظهار النعمة والتحديث بها وبيان الاستغناء عن الخلق بالخالق وإخفاء الآلام والمحن وبث الشكوى لله وحده فهي مظهر رفيع من مظاهرالرجولة والفتوة .
.وباستقصاء كلام العلماء الأشراف وما اتفقت عليه مروءات الرجال عبر العصور وأجمعت عليه عقول ذوي النهى والبصيرة أستطيع أن أجمل بعضاً من سمات الرجولة والفتوة في دين الله، فمن اتصف بها فهو الرجل الفتى، ومن جانبها فهو العاري عن تلك الأوصاف:
أولاً- ترك الخصومة والتغافل عن الذلة ونسيان الأذى : فلا يخاصم بلسانه ولا ينوى الخصومة بقلبه ، وهو في ذلك عامل بوصف النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي شهد له أنه من أهل الجنة ” لأنه كان يبيت وليس في قلبه غل لأحد “
ثانياً- أن تقرب من يقصيك وتكرم من يؤذيك .. وهي سمة للرجولة رآها العلماء في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فكم من مؤذٍ للنبي صلى الله عليه وسلم أعطاه النبيُّ ثم ..أعطاه ليرضى وكم من مقصٍ له قربه ‘ ليدعوه إلى الخير والإيمان والهدى .
ثالثاً- أن ينظر إلى عيوب نفسه ولا يرى عيوب غيره ، فلا يتحسس أحوالهم عليهم راجياً نبش العيوب، بل يسترها ويبحث في علاج نفسه .
رابعاً- بذلُ النفسِ والجَهْد في معونة المؤمنين ومساعدتهم وقضاء حوائجهم في كل وقت بغير مسألة منهم.
ولعل أبلغ قصة في معاني الرجولة ما ذكره الله عز و جل في قصة موسى عليه السلام و المرأتين اللتين كانت تذودان ولا تسقيان حتى يصدر الرعاء و أبوهما شيخ كبير ، و هناك تجلت معاني الرجولة ثم انظر في وصفهما له ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) . ومن المحن يخرج الرجال ومن التمحيص تكون الترقيةُ في مدارج العبودية قال تعالى (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلا)
قال الله تعالى في كتابه العزيز (الرجال قوامون على النساء) ” وليس ( الذكور قوامون على النساء وقيل إن الرجالَ ثلاثةُ أنواع رجل لا يساوي شيئا ورجل يساوي نصفَ رجل ورجل يساوي رجلاً اللاشيء .. هو من لا رأي له ولا يستمع لرأي الناس ونصف الرجل .. هو من لا رأي له ولكنه يسير برأي الناس والرجل هو من له رأي ويستمع لرأي الناس
باستقصاء كلام العلماء الأشراف وما اتفقت عليه مروءات الرجال عبر العصور وأجمعت عليه عقول ذوي النهى والبصيرة نستطيع أن نجمل لك جملة من سمات الرجولة في دين الله، فمن اتصف بها فهو الرجل الفتي، ومن جانبها فهو العاري عن تلك الأوصاف:
1- ترك الخصومة والتغافل عن الذلة ونسيان الأذى: فلا يخاصم بلسانه ولا ينوى الخصومة بقلبه ولا يخطرها على باله، وهو في ذلك عامل بوصف النبي _صلى الله عليه وسلم_ للرجل من أهل الجنة ” أنه يبيت وليس في قلبه غل لأحد “، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يدعو في وتره بقوله: ” وبك خاصمت وإليك حاكمت “. وأما تغافله عن ذلة غيره أمامه فمعناه أن يتصنع أنه لم يره على ذلته لئلا يعرضه لكسر نفسه وشعوره بالوحشة فيتفرد به الشيطان وحده.
2- أن تقرب من يقصيك وتكرم من يؤذيك.. وهي سمة للرجولة رآها العلماء في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- فكم من مؤذ للنبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاه النبي ثم أعطاه ليرضى وكم من مقص له قربه ليدعوه إلى الخير والإيمان والهدى..قال ابن القيم: ” وما رأيت ممن عايشتهم قط أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية فقد كان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أنى لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، بل كان يدعو لهم “.
3- أن ينظر إلى عيوب نفسه ولا يرى عيوب غيره المؤمنين، فلا يشتغل بنقض الناس ولا عيوبهم ولا يتحسس أحوالهم أو يتجسس عليهم راجياً نبش العيوب، بل يسترها ويبحث في علاج حال نفسه.
4- أن يتعامل مع الناس بالحياء والأدب: وللأسف فكثير من الناس يرون الحياء نقصا وشينة في ذات الوقت الذي يرون فيه الوقاحة رجولة ومهابة!! فتغيرت القيم وصار القبيح حسناً والحسن قبيحاً!
5- بذل النفس والمال والجهد في معونة المؤمنين ومساعدتهم وقضاء حوائجهم في كل وقت بغير مسألة منهم
وفي الخاتمة أقول : إن الرجولة هي اجتماع الخُلُقِ بالدِّين وقد روى الترمذي وابن ماجه عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» وهذا الأمر إن تم تطبيقه في الزواج أو في اختيارِ الأصدقاء يكون قاعدةً جيدةً لمن أرادَ فرزَ معادنِ رجولةِ المحيطين به .. وكلما انسجمت الأخلاقُ العاليةُ مع دينِ الرجلِ كلما سَمَتْ درجةُ الرجولة وعَلَتْ.