أخبار

دور الصحافة الرقمية في تشكيل وعي الشباب بالقضايا الاجتماعية بين التوجيه والتضليل

كتب-كريم عفت

تطور وسائل الإعلام وانتقالها إلى الفضاء الرقمي

شهدت وسائل الإعلام تحولات هائلة مع نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، حيث بدأت بوادر ثورة تكنولوجية لم تغير فقط طرق الاتصال التقليدية، بل أعادت تشكيل مفهوم الإعلام برمته. تطورت وسائل الإعلام من الصحف الورقية إلى الإذاعات، ثم إلى التلفزيون، وصولًا إلى الإعلام الرقمي الذي أصبح السمة الغالبة للعصر الحديث.

إن دخول الإنترنت إلى المشهد الإعلامي أعاد رسم ملامح صناعة الأخبار، حيث لم تعد المعلومات حكرًا على المؤسسات الكبرى، بل بات بإمكان الأفراد العاديين نقل الأحداث في الوقت الفعلي، مما فتح المجال أمام نشأة ما يعرف بالصحافة الرقمية، والتي تعتمد على تقديم المحتوى الإعلامي عبر المنصات الإلكترونية المختلفة مثل المواقع الإخبارية والتطبيقات وشبكات التواصل الاجتماعي.

خصائص الصحافة الرقمية

تتميز الصحافة الرقمية بعدة خصائص تجعلها مختلفة عن الصحافة التقليدية، ومنها:

السرعة الفائقة في نقل الأخبار.

التفاعلية بين الصحفي والمتلقي.

تعدد الوسائط (نصوص، صور، فيديوهات).

الانتشار الواسع بلا حدود مكانية أو زمانية.

إمكانية التحديث المستمر للمحتوى.

هذه الخصائص جعلت من الصحافة الرقمية أداة قوية ومؤثرة، لكنها في الوقت نفسه أثارت الكثير من التساؤلات حول مدى مصداقيتها، ودورها في تشكيل وعي المتلقين، لا سيما فئة الشباب.

الشباب والصحافة الرقمية: علاقة متنامية

تشير العديد من الدراسات الحديثة إلى أن الشباب يمثلون الفئة الأكثر استخدامًا للإنترنت والهواتف الذكية، وبالتالي هم الفئة الأكثر تفاعلًا مع محتوى الصحافة الرقمية. وفقًا لدراسة أجراها مركز بصيرة المصري عام 2023، فإن أكثر من 85% من الشباب المصري يعتمدون على الإنترنت كمصدر رئيسي للأخبار، مع تراجع الاعتماد على الصحف الورقية والتلفزيون.

هذا الارتباط الوثيق بين الشباب والصحافة الرقمية يضعنا أمام إشكالية جوهرية

هل تقوم الصحافة الرقمية بدورها في تنمية الوعي الاجتماعي لدى الشباب، أم أنها تسهم -بسبب التحيز أو نشر الأخبار الكاذبة- في تضليلهم وإعادة تشكيل وعيهم بصورة مغلوطة؟

الحاجة إلى دراسة التأثير

مع تزايد الحديث عن “الأخبار الزائفة” و”التحيز الإعلامي”، ومع صعوبة تمييز المصادر الموثوقة وسط الكم الهائل من المعلومات الرقمية، أصبح من الضروري دراسة دور الصحافة الرقمية بعمق، وتحليل علاقتها بتكوين وعي الشباب الجامعي بالقضايا الاجتماعية مثل:

البطالة والتعليم والصحة والبيئة وحقوق الإنسان والمرأة بشكل خاص 

لذلك، يهدف هذا البحث إلى تحليل طبيعة هذا الدور، وقياس مدى تأثير الصحافة الرقمية في تشكيل مواقف الشباب الاجتماعية

مشكلة البحث

التعريف بالمشكلة

مع التحول الرقمي المتسارع الذي اجتاح مختلف مجالات الحياة، أصبحت الصحافة الرقمية واحدة من أبرز الوسائل المؤثرة في تشكيل الرأي العام، خاصة بين فئة الشباب الجامعي. ومع تزايد اعتماد الشباب على الأخبار الرقمية كمصدر أساسي للمعلومات، برزت مخاوف حقيقية تتعلق بمصداقية المحتوى، وموضوعية المعالجة الإعلامية للقضايا الاجتماعية، ومدى قدرة الشباب على التمييز بين الأخبار الموثوقة والمغلوطة.

تشير العديد من التقارير الإعلامية إلى أن الصحافة الرقمية في كثير من الأحيان تسقط في فخ السرعة على حساب الدقة، كما أن بعض المواقع الإخبارية تلجأ إلى العناوين المثيرة لجذب القراء دون الالتزام بالمصداقية الكاملة، مما يفتح الباب واسعًا أمام التضليل الإعلامي. في هذا السياق، تطرح هذه الدراسة سؤالًا جوهريًا:

> هل تقوم الصحافة الرقمية فعلاً بتوجيه الشباب نحو وعي اجتماعي ناضج، أم أنها قد تساهم أحيانًا في خلق تصورات خاطئة ومغلوطة عن القضايا الاجتماعية؟

تساؤلات البحث الرئيسية

1. ما مدى تأثير الصحافة الرقمية على تشكيل وعي الشباب الجامعي بالقضايا الاجتماعية؟

2. هل يسهم المحتوى الصحفي الرقمي في تعزيز الفهم العميق للقضايا الاجتماعية أم أنه يؤدي إلى نشر تصورات سطحية أو مغلوطة؟

تساؤلات فرعية

ما القضايا الاجتماعية الأكثر تداولًا عبر الصحافة الرقمية؟

كيف يؤثر التحيز الإعلامي أو نشر الأخبار الزائفة على وعي الشباب؟

هل تختلف مستويات وعي الشباب تبعًا لاختلاف المنصات الإخبارية المستخدمة؟

 

ما مدى وعي الشباب بضرورة التحقق من الأخبار ومصادرها؟

هل تلعب شبكات التواصل الاجتماعي دورًا مكملًا أم متناقضًا مع الصحافة الرقمية في تشكيل الوعي؟

أهداف البحث

الهدف الرئيسي

تحليل الدور الذي تلعبه الصحافة الرقمية في تشكيل وعي الشباب الجامعي بالقضايا الاجتماعية المختلفة، مع دراسة العلاقة بين التوجيه الإيجابي والتضليل الإعلامي.

 

الأهداف الفرعية

 

تحليل أنماط اعتماد الشباب على الصحافة الرقمية كمصدر أساسي للأخبار والمعلومات.

 

دراسة طبيعة المعالجات الصحفية الرقمية للقضايا الاجتماعية ومدى التزامها بالمعايير المهنية.

 

تقييم مدى وعي الشباب بمخاطر التضليل الإعلامي وطرق الوقاية منه.

 

التعرف على الفروق بين المصادر الصحفية الرقمية المختلفة في تأثيرها على وعي الشباب.

 

اقتراح آليات لتعزيز التربية الإعلامية لدى الشباب الجامعي، ودعم التفكير النقدي تجاه المحتوى الإعلامي.

 

 

أهمية البحث

 

الأهمية العلمية

 

يسهم البحث في إثراء الأدبيات العلمية المتعلقة بالعلاقة بين الإعلام الرقمي والوعي الاجتماعي.

 

يقدم دراسة ميدانية حديثة في سياق عربي مصري، مما يضيف قيمة بحثية حقيقية لفهم سلوكيات الشباب الإعلامية.

 

الأهمية الاجتماعية

 

يساعد البحث في كشف تأثيرات الإعلام الرقمي على التكوين الاجتماعي للشباب.

 

يقدم توصيات عملية لتوعية الشباب بمخاطر التضليل الإعلامي، مما يساهم في رفع الوعي العام.

 

الأهمية المهنية

 

يقدم البحث تحليلًا موضوعيًا لأداء الصحافة الرقمية، ما قد يساعد المؤسسات الإعلامية في تحسين سياساتها التحريرية.

 

يشجع على تبني معايير مهنية أعلى في التغطية الصحفية الرقمية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية الحساسة.

 

 

الإطار النظري للدراسة

 

أولاً: مفهوم الصحافة الرقمية

 

تُعرف الصحافة الرقمية بأنها تقديم الأخبار والمحتوى الإعلامي عبر الإنترنت باستخدام تقنيات تفاعلية متعددة الوسائط، كالصور والفيديو والنصوص والرسوم التوضيحية. وتتميز الصحافة الرقمية بسهولة الوصول والانتشار السريع والتحديث المستمر، إلا أنها تواجه تحديات تتعلق بالتحقق من المعلومات والحفاظ على المصداقية.

 

مثال عملي:

موقع “اليوم السابع” المصري يقدم خدمة الأخبار العاجلة عبر تطبيقه الرقمي، مما يجعل المتابع على اطلاع مستمر بالأحداث لحظة بلحظة.

 

ثانيًا: مفهوم التضليل الإعلامي

 

يقصد بالتضليل الإعلامي نشر معلومات خاطئة أو مضللة عمدًا أو نتيجة ضعف تحريري، مما يؤدي إلى خلق فهم خاطئ للواقع لدى الجمهور.

 

أنواع التضليل الإعلامي:

 

الأخبار الكاذبة 

 

العناوين المضللة

 

الصور المفبركة

 

التحيز الإعلامي الصريح أو الضمني

 

مثال:

انتشرت أخبار خاطئة عن موت شخصية مشهورة وهو الممثل عادل امام  عبر بعض المواقع الإخبارية في 2022/2023/2024/2025 دون مصادر موثوقة.

 

ثالثًا: مفهوم الوعي الاجتماعي

 

الوعي الاجتماعي هو قدرة الفرد على إدراك وفهم قضايا مجتمعه بطريقة نقدية وموضوعية. ويتشكل الوعي الاجتماعي عبر عوامل متعددة، من أبرزها الإعلام والتعليم والخبرة الشخصية.

 

رابعًا: الإعلام البديل

 

يشير الإعلام البديل إلى الوسائط غير التقليدية التي تقدم محتوى مستقلًا بعيدًا عن سيطرة المؤسسات الإعلامية الكبرى، وغالبًا ما يكون له دور في تقديم روايات مضادة للقضايا الاجتماعية والسياسية.

 

مثال:

ظهور صفحات مثل “مصريون ضد الفساد” على فيسبوك التي تروج لموضوعات مكافحة الفساد بعيدًا عن الإعلام الرسمي.

 

 

 

الدراسات السابقة

 

تدعم الدراسات السابقة فهمنا لدور الصحافة الرقمية في تشكيل وعي الشباب بالقضايا الاجتماعية. وفيما يلي عرض مختصر لأهم الدراسات ذات الصلة:

 

دراسة أثر الإعلام الرقمي على وعي الشباب العربي (2021):

أظهرت أن الإعلام الرقمي له تأثير قوي في توجيه وعي الشباب، وأشارت إلى أهمية التحقق من المعلومات لمواجهة التضليل الإعلامي.

 

دراسة مواقع التواصل الاجتماعي والوعي السياسي والاجتماعي (جامعة القاهرة، 2020):

أوضحت أن الاعتماد المفرط على مواقع التواصل قد يؤدي إلى تعزيز أو تشويه الوعي بحسب مصداقية المصادر.

 

دراسة أثر الأخبار الكاذبة على اتجاهات الشباب (المجلة العربية للإعلام، 2022):

حللت تأثير الأخبار الكاذبة على تصورات الشباب تجاه القضايا المجتمعية، ودعت إلى نشر ثقافة التحقق من الأخبار.

 

دراسة التحول الرقمي والإعلام الحديث (مركز الأهرام، 2021):

ناقشت التحديات التي تواجه الصحافة الرقمية في ظل الانتشار السريع للأخبار، وأكدت ضرورة تعزيز المعايير المهنية للحد من التضليل.

 

أدوات جمع البيانات

 

استبيان إلكتروني مكون من عدة محاور أساسية يغطي أنماط استهلاك الأخبار الرقمية ومستوى الوعي بالمحتوى الصحفي.

 

تحليل محتوى لعينة من الأخبار المنشورة في مواقع رقمية مشهورة.

 

العينة

 

عدد الأفراد: 100 طالب وطالبة.

 

الفئة العمرية: من 18 إلى 25 سنة.

 

الجامعات: جامعات حكومية وخاصة.

 

طريقة اختيار العينة: العينة العشوائية البسيطة.

 

 

تحليل النتائج

 

أولاً: أنماط متابعة الأخبار الرقمية

 

تبين من تحليل البيانات أن 85% من أفراد العينة يعتمدون على الهواتف المحمولة كوسيلة رئيسية لمتابعة الأخبار، وأن الصحافة الرقمية تأتي في المرتبة الثانية بعد وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات.

 

ثانيًا: الوعي بالتضليل الإعلامي

 

أظهرت النتائج أن نسبة كبيرة من الطلاب (حوالي 70%) يعون وجود أخبار زائفة، إلا أن 40% فقط منهم يمتلكون مهارات فعالة للتحقق من صحة الأخبار.

 

ثالثًا: تقييم مصداقية الصحافة الرقمية

 

اعتبر 60% من أفراد العينة أن الصحافة الرقمية المصرية تقدم تغطية معقولة للقضايا الاجتماعية، في حين رأى 30% أن هناك تحيزًا واضحًا في بعض المواقع لصالح قضايا معينة على حساب قضايا أخرى.

 

الخاتمة

 

خلاصة البحث

 

أثبتت نتائج الدراسة أن للصحافة الرقمية دورًا محوريًا في تشكيل وعي الشباب الجامعي بالقضايا الاجتماعية، مع وجود تأثيرات إيجابية مرتبطة بالمهنية الصحفية، وتأثيرات سلبية مرتبطة بالتضليل والتحيز الإعلامي.

 

التوصيات

 

ضرورة تعزيز التربية الإعلامية بين الشباب الجامعي.

 

مطالبة المؤسسات الصحفية بالالتزام بالمعايير المهنية وتدقيق الأخبار قبل نشرها.

 

إطلاق حملات توعية شبابية لمكافحة الأخبار الزائفة.

إنشاء لجان رقابية مستقلة داخل المؤسسات الإعلامية لضمان جودة المحتوى المنشور.

المصادر

1. كتاب:

عبد الله، محمود. (2021). أثر الإعلام الرقمي على وعي الشباب العربي. دار النشر الجامعي، القاهرة.

 

2. كتاب:

مكاوي، حسن عماد. (2020). الإعلام الرقمي وتأثيره على تشكيل الرأي العام. دار الفكر العربي، القاهرة.

 

3. كتاب:

مصطفى، صفاء. (2021). الإعلام الرقمي والشباب: الفرص والتحديات. دار الفكر العربي، القاهرة.

 

4. مقالة علمية:

المجلة العربية للإعلام. (2022). أثر الأخبار الكاذبة على اتجاهات الشباب تجاه القضايا العامة. العدد 45.

 

5. تقرير بحثي:

مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. (2021). التحول الرقمي والإعلام: التحديات والفرص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى