مقالات

الكاتب أحمد عبادة يكتب (الدين ليس مظهرا فقط)

 

إن الله  خلق الخلق، والدين من فطرتهم، فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [سورة الروم:30]، هذا هو الدين إسلام، وإيمان، وإحسان، إنه إقامة شرائع الدين الظاهرة والباطنة، فالصلاة، والصيام،والحج، وشرائع القلب كالمحبة، والخوف، والرجاء، والإنابة، أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا [سورة يونس:105]، مقبلاً على الله تعالى، هذه هي الحقيقة، هذا هو الدين القيم، والطريق المستقيم الذي يوصل إلى كرامة الله تعالى.
والتدين عام في تاريخ البشر، لم يخلو منه مجتمع من المجتمعات، حتى قال أحد مؤرخي الإغريق بلوتارك: “وقد وجدت في التاريخ مدناً بلا حصون، ومدناً بلا مدارس، ومدناً بلا قصور، ولكني لم أجد مدناً بلا معابد”.

وقد امتن الله علينا بنعمة الإسلام، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [سورة المائدة:3]، جعله شرائع ظاهرة وباطنة، دين كامل لا يمكن الاستغناء بجزء منه عن الآخر، ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [سورة البقرة:208]، في جميع عرى الإيمان.
والإيمان لباسه التقوى، وزينته الحياء، وماله الفقه، الإسلام عقيدة جوهرها التوحيد، وعبادة جوهرها الإخلاص، ومعاملة جوهرها الصدق، وخلق جوهره الرحمة، وتشريع جوهره العدل، وعمل جوهره الإتقان، وأدب جوهره حسن المعاملة، وعلاقة جوهرها الأخوة، فمن ضيع هذه فقد ضيع جوهر الإسلام.

الشمولية في الإسلام
هذا الدين شامل لتصديق القلب، واعتقاد القلب، تسليم القلب، قول القلب، وعمل القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح.
قال الشافعي -رحمه الله-: “كان الإجماع من الصحابة، والتابعين من بعدهم، ومن أدركناهم، يقولون: إن الإيمان قول، وعمل، ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر”[1].
فالعمل الظاهر لا ينفع صاحبه إن لم يكن معه عمل قلبي، والعمل القلبي لا يكفي بلا عمل ظاهر، كما قال الشافعي أيضاً: “لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر”، ولذلك فإن الإيمان شعب كثيرة، قال ﷺ: الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان[2].
وأهل الحديث والسنة على أن كل طاعة داخلة في الإيمان سواء كانت من أعمال القلب، أو من أعمال الجوارح، سواء كانت من عمل اللسان، أو سواء كانت من عمل القلب، والله تعالى لما ذكر صفات المؤمنين المفلحين ذكر لهم عبادات ظاهرة وباطنة، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [سورة المؤمنون:2- 6]، شعائر تعبدية بينه وبين الخالق قائمة، وبينه وبين المخلوقين عفة، وكذلك هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [سورة المؤمنون:8]، وهذه الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، نزلت في جذر القلوب.
والشمولية في هذا الدين واضحة، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الأنعام:162]، ومن تمسك بالدين بشعبه الظاهرة والباطنة، فهو المتدين الحقيقي، هذا الملتزم المستقيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [سورة البقرة:208]، جميع الأعمال ووجوه البر.

لما عرف العلماء العبادة، ماذا قال قائلهم: “اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة “، مجموع فتاوى شيخ الإسلام[3].
حديث جبريل يدل على ذلك، فقد جاءهم ليعلمهم دينهم.
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: “فأما الإسلام فقد فسره النبي ﷺ بأعمال الجوارح الظاهرة من القول والعمل، فجميع الواجبات الظاهرة داخلة في مسمى الإسلام، صلاة، حج”.
وأما الإيمان فقد فسره النبي ﷺ في حديث جبريل بالاعتقادات الباطنة، فقال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى