فقدت بورسعيد ومصر قامة وطنية وروحية نادرة، بوفاة القمص بطرس الجبلاوي، أحد أقدم كهنة كنيسة مار جرجس، وأحد أبطال المقاومة الشعبية خلال العدوان الثلاثي عام 1956، الذي خاض معركة الكرامة جنبًا إلى جنب مع رجال الدفاع الشعبي، وحمل السلاح دفاعًا عن الوطن.
في مشهد خُلّد في ذاكرة المدينة، صعد القمص الجبلاوي منبر المسجد العباسي في قلب بورسعيد عام 1956، ليخطب في الجماهير ويوجههم نحو الصمود والدفاع عن الأرض، مجسدًا أسمى معاني التلاحم الوطني بين أبناء الوطن الواحد، في موقف نادر يجمع بين الإيمان والوطنية.
نظير مواقفه البطولية ومكانته المجتمعية، كرّمه الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ثم استمر في خدمته لأهالي المحافظة، فكان عضوًا منتخبًا في المجلس المحلي لسنوات، وفتح بيته وقلبه للجميع دون تمييز أو حساب.
ولم يتوقف عطاؤه عند زمن الحرب، بل كان من رواد المشاركة في المناسبات الإسلامية، وأول من أطلق فكرة مائدة الإفطار الرمضاني الجماعي داخل الكنيسة، التي أصبحت رمزًا راقيًا للوحدة الوطنية والتعايش بين المسلمين والمسيحيين في مصر.
برحيله، فقدت مصر كاهنًا من طراز خاص، جمع بين الروحانية والوطنية، وبين الكلمة الحرة والسلاح، وبين منبر الكنيسة ومنبر المسجد، فكان رمزًا خالدًا للوطنية الحقيقية والخدمة العامة.