دين

“الرحمة قبل الحقوق والواجبات”

 

كتبت/نجلاء حاتم محمد أمين

الرجل هي كلمة لا تطلق على أي ذكر، بل هي تطلق على الرجال أصحاب المواقف المشرفة والإنسانية..
نعم إنَّ الرجال قوامون على النساء كما يقول الله تعالى في كتابه العزيز، ولكن المرأة عماد الرجل، وملاك أمره، وسر حياته، من صرخة الوضع، إلى أنَّة النزع.
لا يستطيع الأب أن يحمل بين جانحتيه لطفله الصغير عواطف الأم، فهي التي تحوطها بعنايتها ورعايتها، وتبسط لها جناح رحمتها ورأفتها، وتسكب قلبها في قلبه حتى يصبحا
قلبٍا واحدٍ يخفق خفوقًا واحدًا ويشعر بشعور واحد، وهي التي تسهر عليه ليلها، وترعاها نهارها، وتحتمل جميع آلام الحياة وأرزائها في سبيله، غير شاكيةٍ ولا متمرده، بل تزداد شغفًا به، وإيثارًا له، وضنًّا بحياته، بمقدار ما تبذل من الجهود في سبيل تربيته، ولو شئت أن أقول لقلت: إنَّ سر الحياة الإنسانية وينبوع وجودها، وكوكبها الأعلى الذي تبعث منه جميع أشعتها، ينحصر في كلمة واحدة: «قلب الأم».
لا يستطيع الرجل أن يكون رجلًا حتى يجد إلى جانبه زوجةً تبعث في نفسه روح الشجاعة والهمة، وتغرس في قلبه كبرياء التبعة وعظمتها. وحسب المرء أن يعلم أنه سيدٌ، وأنَّ له رعية كبيرةً أو صغيرةً تضع ثقتها فيه، وتستظل بظل حمايته ورعايته، وتعتمد في شئون حياتها عليه، حتى يشعر بحاجته إلى استكمال جميع صفات السيد ومزاياه في نفسه. فلا يزال يعالج ذلك من نفسه ويأخذها به أخذًا حتى يتم له ما يريد. وما نصح الرجلَ بالجد في عمله، والاستقامة في شئون حياته، وسلوك الجادة في سيره، ولا هداه إلى التدبير ومزاياه، والاقتصاد وفوائده، والسعي وثمراته، ولا دفع به في طريق المغامرة والمخاطرة، والدأب والمثابرة، مثلُ دموع الزوجة المنهلة، ويدها الضارعة المبسوطة.
ولا يستطيع الشيخ الفاني أن يجد في أخريات أيامه في قلب ولده الفتى من الحنان والعطف والحب والإيثار ما يجد في قلب ابنته الفتاة؛ فهي التي تمنحه يدها عكازًا لشيخوخته، وقلبها مستودعًا لأسراره وهواجس نفسه، وهي التي تسهر بجانب سرير مرضه ليلها كله تتسمع أنفاسه، وتصغي إلى أناته، وتحرص الحرص كله على أن تفهم من حركات يديه ونظرات عينيه حاجاته وأغراضه. فإذا نزل به قضاء الله كانت هي من دون ورثته جميعًا الوارثة الوحيدة التي تعد موته نكبة عظيمة، لا يهونها عليها ولا يخفف من لوعتها في نفسها أنه قد ترك من بعده ميراثًا عظيمًا. وكثيرًا ما سمع السامعون في بيت الميت قبل أن يجف تراب قبره أصوات أولاده يتجادلون، ويشتجرون في الساعة التي يجتمع فيها بناته ونساؤه في حجراتهن نائحات باكيات.
وجملة القول أنَّ الحياة مسرات وأحزان. أما مسراتها فنحن مدينون بها للمرأة؛ لأنها مصدرها وينبوعها الذي تتدفق منه. وأما أحزانها فالمرأة هي التي تتولى تحويلها إلى مسراتٍ، أو ترويحها عن نفوس أصحابها على الأقل، فكأننا مدينون للمرأة بحياتنا كلها.
وقد بلغ من تكريم الإسلام للمرأة أنه خصص باسمها سورة من سور القرآن الكريم سماها سورة “النساء”، فقد كرم الإسلام المرأة أماً، فقال تعالى “وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أولى الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قيل ثم من؟ قال: أمك، قيل ثم من؟ قال: أمك، قيل ثم من؟ قال: أبوك.
وكرم الإسلام المرأة زوجة، فجعل الزواج منها آية من آياته فقال تعالى “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”، واستوصى بها النبي خيرا كما قال في خطبة حجة الوداع “استوصوا بالنساء خيرًا، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله”.
وجعلها راعية وسيدة في بيتها فقال صلى الله عليه وسلم “والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها”، وقال عليه السلام أيضاً “الرجل سيد على أهله والمرأة سيدة في بيتها”.
وكرم الإسلام المرأة بنتا، وقال الإمام الشافعي رحمه الله “البنون نعم، والبنات حسنات، والله عز وجل يحاسب على النِعم، ويجازي على الحسنات”، وكرم الإسلام المرأة أختاً، فقال صلى الله عليه وسلم “لا يكون لأحدكم ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا دخل بهن الجنة”.
تعامل مع المرأة برحمة وحب وفضل في كل الحياة، ولا تلجأ للحقوق والواجبات إلا عند الخلاف.. المودة والرحمة مسيرة حياة والحقوق والواجبات عند الخلاف فقط.

قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، ‏لحية‏‏ و‏نص‏‏

 
 
 
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى