بقلم الدكتور طارق فرج
تستهويني دائماً الموضوعات الغامضة فى الحضارة المصرية التي تنقرض وتموت بموت أصحابها ولايشار إليها على الآثار إلا فيما ندر ولا يلتفت إليها وخاصة فيما يتعلق بممارسات الحياة اليومية ولذلك دارت كل ابحاثي حول هذه الموضوعات الغريبة التي يفر منها اغلب الباحثين..
وموضوع صوم المصريين القدامى لا أذكر أن أحدا كتب فيه من قبل باللغة العربية ولذلك اقوم بواجبي حتى نقطع الطريق على الدخلاء والطفيليين وغير المتخصصين. ونستعين بحول الله وقوته كعادتنا ونقول إن المصادر المصرية القديمة لاتسرد بصورة مفصلة موضوع الصوم ولكنه يتجاوب صداه فى فقرات ونتف هنا وهناك ومن عصور مختلفة وكان الغرض منه هو الطهارة من ادران البدن أو تهذيب النفس فى بعض الحالات او حزنا وحدادا على وفاة أو حين الشعور بالخطر على الحياة أو لأسباب دينية تتعلق باساطير الآلهة .. وكان يمارسه الملوك والأمراء والناس أجمعين.. وكان الصوم جزئياً أو بشكل مؤقت وغير محدد المدة الا فى حالات بعينها.. فلقد ورد على بردية رقم 86637 ونشرها استاذنا العلامة عبد المحسن بكير أنه قد حرم على الناس تناول أطعمة معينة فى بعض الأيام وعن تناول جميع انواع الطعام فى ايام اخر كما حرم عليهم ممارسة كافة أشكال الجماع فى يوم محدد كان أحد الآلهة اغتصب فيه الها اخر وكذلك حرم عليهم الإبحار فى يوم محدد نزل فيه الآلهة جميعا النهر Abd el-Mohsen Bakir, The Cairo Calendar,No.86637,Cairo,1966,rto xxv 2 كما كان هناك أياما يحرم على الناس ممارسة جميع الأعمال والخروج وحرق البخور والاغتسال وبناء المنازل والتحدث بصوت عال وغيرها من الأنشطة اليومية Drenkhahn,in: MDAIK 28(1972) pp.85-94. كما كان هناك الامتناع عن تناول أطعمة محددة مثل الأسماك والخنازير فى ايام واماكن معينة لطائفة محددة من الناس مثل الكهنة والسحرة وذلك بغرض الطهارة الدينية Herodot,II, 37.
بيد أن أكثر الصوم كان بسبب الحزن .. فلقد ورد ذلك فى بردية تحكي عن زوج فقد زوجته فصام صوما جزئيا مدة ٨ أشهر فقال حرفيا ” عندما حلت بك الوفاة قضيت ٨ اشهر دون طعام أو شراب حسب عادة الناس ” Gardiner,A.H.-Sethe,K., Egyptian Letters to the dead, London,1928,pl.VIII,Z,30f. ويفهم من هذا أن ثمة عادة كانت تمارس من الشعب عند وفاة أحد الأشخاص.. أما في حالة وفاة الفرعون فقد كان يحرم على الناس معاقرة الخمر أو تناول اللحوم أو شرب ماء النيل أو الشرب من بحيرة الفيوم غير أنه لم يذكر فترة زمنية محددة فى هذا الصدد.. ولقد ورد على لوحة السرابيوم أنه كان هناك حداد عام عند نفوق عجل ابيس فتذكر النصوص ” أن الرجل كان يلقي بنفسه على الارض ويمتنع عن تناول الخبز والجمعة” وهذا يعني بكل تأكيد تجنب اكل جميع انواع الطعام والشراب. Vercoutter,J.,Textes biographiques de Serapeum de Memphis, Paris,1962,p.28. كما أنه يمتنع عن تغطية ظهره حتى يوم الدفن.. ولاندري هل كان القصد صياما كاملا أم أنه كان مقصورا على فترة زمنية بين نفوق العجل وبين نقله إلى بيت التحنيط؟ كما تخبرنا اللوحة أيضا عن حزن الأمير الوراثي فقد امتنع عن تناول الطعام الا الخبز والماء والخضروات لمدة ٧٠ يوما أخرى حتى يتم دفن العجل ابيس. كما نعرف من مصدر آخر أن أحد الأمراء امتنع عن
الحلاقة حتى يتم الدفن Desroches-Noblecourt, in: BIFAO 45 (1947), p.217.
كما ورد أن الصوم كان احيانا بسبب الشعور بالخطر مثل أن يجلس المصري “ورأسه على ركبتيه” ويمتنع عن الكلام والنظر والأكل والشرب ولايصدر أي حركة .. وممايحكى في هذا الصدد أنه في أحد القصص عندما علمت “احويريت” مدى خطورة إحضار كتاب السحر .. جلست بجوار المياه دون طعام أو شراب أو فعل أي شيء على الارض. راجع كتاب القصص والروايات لايما برونر تراوت.. Brunner-Traut,Marchen,180,190.
أقرأ التالي
2025-05-02
بين جدران “الأمان”: طفولة مُغتصبة.. والمؤبد يطفئ جزءًا من صرخة الإنسانية!
2025-05-01
مشيرة موسى تكتب ” عقوبة التجريس “
2025-04-30
الإخوة والأخوات
2025-04-30
نهاية الإمبراطورية الأمريكية على يد الأحمق.. تور امب
2025-04-29
الأوقاف في الإسلام واشراقاتها الحضارية ” اوقاف النساء “
2025-04-29
فندق Triumph Plaza Hotel بمصر الجديدة يفتح أبوابه لاستقبال النسخة الرابعة من مؤتمر EPSF Conference
2025-04-28
نفوس وأرواح مهشمة
2025-04-26
توجيهات عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عامله أبي موسى الأشعري في القضاء
2025-04-25
سيناء..الماضي والحاضر والمستقبل
2025-04-24
رسالة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لعامَّة المسلمين في مصر عند استخلافه
زر الذهاب إلى الأعلى