مقالات

الخلاف والإختلاف

صالح العطوان الحيالي

الإختلاف لغة على وزن افتعال والخلاف والإختلاف في اللغة ضد الإتفاق ، قال الراغب الاصفهاني: الخلاف والإختلاف في اللغة ضد الإتفاق وهو أعم من الضد ، لأن كل ضدين مختلفان وليس كل مختلفين ضدين.الخلاف مصطلح يشير إلى التناقض أو الاختلاف في وجهة نظر أو رأي بين شخصين أو أكثر.

الخلاف والإختلاف من مادة واحدة ولكن جرت العادة على استخدام الإختلاف فن التنوع والتعدد وتلامح الأفكار والتدافع بين الاراء ، واختلاف الحجج والبراهين ، وبين ما يكون بين العلماء من اختلاف في الرأي وبذل الموقع للانتحار له ، أما الخلاف فيكون في التنازع على الحقوق وتتعامل المصالح .

وفي الفقه الإسلامي اختلاف تنوع وغنى وليس اختلاف تضاد وتناقض، ذلك أن في الإنسان ثوابت ، هذه الثوابت العلاقة لها ، لا بمكان ولا بزمان ولا معطيات ويعرف أيضا بالاختلاف المحمود وهو الاختلاف الحاصل نتيجة الاجتهاد ونقاوت الافهام وتباين الآراء.

ادب الخلاف ليس ضعفا ولا تنازلات بل هو قوة نفسية واخلاقية ترفعنا فوق سماجة التعصب، العالم كبير يتسع للجميع ، والحياة قصيرة بل اقصر من أن نقضيها في صراعات لا فائدة منها فلنختلف كما تختلف الازهار في الحدائق لتزيدها جمالا من حيث العطر واللون لا دمار، يقول الله سبحانه وتعالى ( ولا تستوي والسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كإنه ولي حميم ) فصلت الاية ٣٤ .

في عالم تتنوع فيه الآراء وتتعدد وجهات النظر، يصبح الخلاف حتمياً. لكن الأخطر من الخلاف نفسه هو كيفية إدارته. يقول الكاتب أحمد الشقيري: “قد تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة واحدة، فلماذا تكون هذه المسألة سبب هدم العلاقة؟.

هنا يكمن جوهر “أدب الخلاف”، ذلك الفن الراقي الذي يجعلنا نختلف دون أن نفقد احترامنا لبعضنا البعض، ودون أن نسمح للخلافات البسيطة أن تقوّض روابط الإنسانية والأخوة.
الإصرار على الانتصار في كل النقاشات دليل على ضيق الأفق، لا على قوة الحجة.

الحكمة تقتضي أن نعرف متى نجادل ومتى نسكت، لأن بعض الخلافات لا تستحق أن نفقد من أجلها شخصاً عزيزاً. كما قال الإمام الشافعي: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”. فالحقيقة ليست حكراً على أحد، والاعتراف باحتمال خطئنا يوّلد الاحترام المتبادل.

الإنتصار في الجدال قد يمنحك شعوراً مؤقتاً بالتفوق، لكن كسب القلب يمنحك احتراماً دائماً. كثيرون يخسرون أحباءهم لأنهم فضّلوا أن يكونوا على حق بدلاً من أن يكونوا محبوبين. تذكر أن الناس قد ينسون ما قلته، لكنهم لن ينسوا كيف جعلتهم يشعرون.

في لحظة غضب، قد يبدو قطع العلاقات حلاً سهلاً، لكنك لا تعلم متى قد تحتاج إلى العبور على تلك الجسور مرة أخرى. الحياة طويلة، والظروف تتغير، فحافظ على روابطك حتى وإن اختلفتم. الندم على كلمة طيبة لم تقلها خير من الندم على كلمة جارحة نطقت بها.

القاعدة الذهبية في أدب الخلاف تعلمنا الفصل بين الفعل والفاعل. يمكن أن نرفض الفكرة دون أن نرفض صاحبها، أن ننتقد الخطأ دون أن نهاجم الشخص. كما قال عمر بن الخطاب: “لا تعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله”. فالحكمة هي أن نكره المعصية لكننا نسامح العاصي، ننتقد القول لكننا نحترم القائل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى