Uncategorized

إخلع رداء التوتر والإنفعال

إخلع رداء التوتر والإنفعال

إخلع رداء التوتر والأنفعال
يحي خليفه

بقلم يحي خليفه

تختلف الأمم في ضبط العواطف اختلافاً كبيراً كاختلاف الأفراد فبعضهم حاد المزاج سريع الانفعال، وبعضهم هادئ المزاج بطيء الانفعال. وكذلك الشأن في الأمم فهي تختلف في حدة عواطفها و برودتها ومقدار انفعالاتها أمام الحوادث، ودرجة حزنها وسرورها وخوفها وطمأنينتها إلى غير ذلك، ومن مظاهر العواطف الخوف من الأمور الصغيرة، والفزع الشديد من الحوادث التي تكون تافهة، والغضب الشديد للكلمة النابية، والوصول إلى أقصى حد في الانفعال للحوادث اليومية، التي يكفي لمرورها غض الطرف عنها، إلى كثير من أمثال ذلك. هذه الحدة في العواطف، والمبالغة في الانفعال تتخذ في الأمة ظاهرة واضحة،

فجانب كبير من الجرائم سببه حدة العواطف، فكل يوم نرى في الجرائد أخباراً عن قتل أو كسر أو جرح لأسباب تافهة يعجب العقل الهادئ كيف وصلت إلى هذه النتائج، فقتل لنزاع على ماء للري، وضرب أفضى إلى الموت لكلمة صدرت اعتبرها السامع سباً فاضحاً، وهكذا مما نطالعه كل يوم، حتى في الطبقة المثقفة يثور الجدل بينهم ويبدأ هادئاً، ولكن سرعان ما يحتد المزاج وتعلو نغمة الجدال فتنقلب إلى سباب، ولا يقتصر الأمر على حجة ولا برهان أمام برهان، بل يتعداه إلى سباب ونقد لاذع أمام نقد لاذع، وتنسى المسائل الأصلية وتبقى الحزازات النفسية هذا هو المظهر العام في الشارع، وفي البيت وفي المحاكم وفي الصحف،

كأن كل الناس يحمل مستودعاً من البنزين ينتظر أقل اشتباك، أو احتكاك. متى تحتد العواطف ومتى تبرد: ومما يؤسف له أن هذه الحدة في العواطف، والحرارة في الانفعال تظهر كل الأشياء التي ذكرنا وتكون فيها أكثر مما ينبغي، مع أنها تبرد أمام أشياء أخرى وتكون أقل مما ينبغي فلا نرى حرارة في الانفعال أمام جمال الطبيعة ولا جمال المعاني ولا حسن النظام ولا نرى غيرة شديدة على الحرية الفردية ولا الحرية الاجتماعية وهذا الذي يغضب غضباً شديداً لكلمة جرحت إحساسه ولا يغضب لمنظر أوذيت فيه العدالة، وهذا الذي ينفعل انفعالاً شديداً على شيء من ماله لا ينفعل للتعدي على سمعة قومه أو حرية قومه، وهذا الذي يذوب حباً ويفنى عشقاً فيمن يحب لا يتحرك قلبه لجمال طبيعة أو جمال مبدأ سام فأوتار أعصابه لا تنفعل هذا الانفعال العنيف إلا للنواحي الشخصية والأشياء المادية ولو أنها انفعلت لهذا وذاك لاحتمل ذاك القبح في سبيل هذا الجمال.

يتطلب ضبط العواطف كظم الغيظ عند دواعي الغضب، والاعتدال في الانفعال عند بواعث السرور والحزن، والتؤدة والتفكير عند إصدار الحكم، والتفكير عند نزوات الهوى. فلا إفراط في السرور والحزن ولا الغضب، ولا نحو ذلك من أنواع الانفعال. وهو فضيلة في الأمم كما هو فضيلة في الأفراد، فقد تكون حدة العواطف في الأمة سبباً في شقائها فكثيراً ما تعرض للأمة أزمات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية فيمكنها أن تجتازها بضبط عواطفها، وتلطيف انفعالاتها، والحكمة في تصرفاتها، ووزن عواقبها، على حين أنها تعرض نفسها للخطر إذا انقادت لعواطفها من غير تفكير.

إخلع رداء التوتر والأنفعال
يحي خليفه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى